الحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه،حمداً يوازي نعمته علينا بالإسلام إذ أنزل إلينا خير كتبه،وأرسل إلينا أفضل رسله وشرَع لنا أفضل شرائع دينه ، وجعلنا من خير أمة أخرجت للناس والصلاة والسلام على خير البرية ،وآله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد .....
أيها الإخوة الأحباب: إن التربية المنتجة هي الهدف الذي نبحث عنه ونريد الوصول إليه فنحن نريد إعداد الإنسان العابد لربه الصالح في ذاته الناجح في حياته الدنيا النافع لمجتمعه المستعد لحياته الآخرة، والتربية التي نردها لا يمكن أن تتحقق إذا تعاملنا مع من نربيهم كما نتعامل مع الآلات تعطى لها مجموعة من الأوامر والتكليفات فينتج لك إنسان مسلم نافع لدينه ووطنه.
أيها الإخوة الأحباب: المربي يسلك أساليب الفلاح ويسير سيرته أكثر مما ينهج نهج العامل الفني أو المهندس أو الصانع، فالفلاح حين يريد الزراعة لا يرضى بأى أرض أو حقل، لكنه يختار من الحقول المتاحة أو الأراضي الموجودة أرضًا ذات خصوبة، والمربي أيضًا يختار الحقل الذي يعمل فيه حقلاً خصبًا مناسبًا.
والفلاح حين يبذر البذور ينتقي البذور الجيدة، ينتقي البذرة القوية الممتلئة، ويستبعد البذور الغيرصالحة وما شابهها، فهذه الأخيرة قد تصلح لطعامه أو طعام ماشيته، لكنها لا تصلح للتربية والإنبات ،والبذور الصالحة هي التي تسمَّى البذور المنتقاة، والمربي كذلك، بعد أن يدقق في اختيار الحقل يتقن انتقاء بذوره التي سيبذل وقته وجهده في تعهدها بالتربية.
أيها الإخوة الأحباب: إن الفلاح لا يرمي بالبذرة في الأرض ثم ينساها، لكنه يتعهدها بالري ويتعهدها بالسماد الذي هو الغذاء والمربي أيضًا لا بد له من أن يتعهد الأفراد بالري الذي يمثل الروحانيات بالنسبه للافراد ، والغذاء الذي هو الفهم والعلم والإرشاد وكما أن الفلاح يوقن تمام اليقين أنه ليس كل بذرة جيدة زرعت فسقيت الماء وزودت بالسماد سوف تنبت بالضرورة، وكما أنه يُرجِع الإذن بالإنبات إلى خالق الأرض والسماوات ،فتراه عندما يرجع إلى بيته يدعو الله ان يشمل الزرع بعنايته وأن يأذن بنباته وكذلك المربي، لا يكون مربيًّا حتى يخلو إلى ربه ثم يدعو لبذوره بظاهر الغيب ان ينبتها الله النبات الحسن ، ثم ليعلم أن التربية مثل الزراعة، ستنبت فيها بعض البذور ولن تنبت أخرى، ومن لم يفعل ذلك فقد يكون ممن يجمعون لحزب أو فكرة أو مذهب، لكنه أبدًا لن يكون مربيًا في حركة إسلامية صميمة ترتكز على الربانية وتريد التمكين لدين الله في الأرض.
أيها الإخوة الأحباب: عندما تنبت النباتات التي أذن الله لها بالإنبات، فإن الفلاح يحوطها من كل جوانبها، وتراه يعزل عنها كل الحشائش الضارة التي تظهر من حولها لتشاركها في غذائها أو لتحرمها منه وكذلك المربي يحوط من يرعاهم، وينقي الوسط من حولهم في أيامهم الأولى، حتى تصح البدايات ويصل الري والزاد، ومع كل ذلك يجد الفلاح نباتات قوية وأخرى ضعيفة، وكذلك المربي عليه أن يهيئ نفسه لقبول هذه الحقيقة.
أيها الإخوة الأحباب: أن الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة، المربي عليه أن يُكيِّف نفسه مع الواقع، وعليه أن يتقبل أن يظهر عنده أفراد أقوياء وأفراد ضعفاء، رغم اشتراكهم في الحقل والري والزاد والعناية والرعاية والنباتات القوية أيضًا تتفاوت، وكذلك الأفراد في مسيرتهم التربوية، فبعض النباتات تزهر وينتشر أريجها وبعضها لا يزهر، وكذلك الأفراد بعضهم يظهر في الدعوة وبعضهم لا يظهر، وبعض الزهور تنعقد ثمارًا بينما يتساقط البعض الآخر من الزهور دون أن يثمر، وكذلك الأفراد الذين ظهروا كالزهور في هذه الدعوة
بعضهم يتساقط وبعضهم يتماسك، حتى يكون ثمرة من ثمار الدعوة، فلا يجزع المربي لتساقط المتساقطين، وحتى الثمار في عالم النبات، بعضها يكون حلو الطعم وبعضها لا طعم له، وأيضا ثمار الدعوة من الأفراد تتفاوت.
أيها الإخوة الأحباب: حتى تكون التربية منتجة يجب أن يشعر كل فرد في الحركة أنه مسئول عنها وأنه عضو منتج ومتفاعل مهما كانت طاقاته وإمكانياته (صغرت أو كبرت) كاللبنات في البناء مع اختلاف شكلها وحجمها يضعها البناء في مواقعها المناسبة لها حجماً وشكلاً
أيها الإخوة الأحباب: إن عقم الحركة وإخفاقها في توظيف إمكانات الأفراد التوظيف السليم أو معاملة المربى لمن هو مسئول عنهم انه هو فقط صاحب هذه الدعوة والمؤتمن عليها دون غيرة قد يؤدى في النهاية إلى القطيعة التي تؤدى إلى خروج الأفراد عن الصف.
والملاحظ أن أكثر المربين يوهمون أنفسهم أن ما يعملونه ينطلق من حرصهم الشديد على العمل ومصلحته وهم في الحقيقة يقومون بتدمير العمل والعاملين معاً في المدى البعيد حتى وإن بدا أنهم يحققون إنجازاً فإن ذلك لا يعدوا أن يكون طفرة مؤقتة في المدى القصير وللأسف الشديد فإن هذا النمط كثير وينطبق عليه قوله تعالى (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ، أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ) وهذه هي الطامة الكبرى حيث إنهم حتى لا يشعرون بحقيقة ما هم عليه فكيف لهم أن يصلحوا ويغيروا من أنفسهم؟!
أيها الإخوة الأحباب: من الأمور المهمة لكي تكون العملية التربية منتجة معاملة المربين الأفراد كأحباب لا كأنداد يقول سبحانه وتعالى { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } إن حب الناس و الرغبة في إصلاحهم هو الطريق الحقيقي للوصول إلى تربية منتجة لأفراد أسوياء فالقدرة على جمع القلوب نعمة من اللة يعطها لمن يشاء من عبادة وفقد الحب بين المربى والمتربي يؤدى إلى فشل العملية التربوية.
أيها الإخوة الأحباب: ولو استطع المربى أن يصل إلى " حَرِيصٌ عَلَيْكُم" ويترجم ذلك إلى سلوك إداري يومي متكرر فإننا نكون قد امتلكنا أعظم مفاتيح القلوب والنفوس لمن حولنا فيعملون معنا بحب وإخلاص في فريق متكامل متفان بعيداً عن مظاهر الحقد والصراع.
ولو نظرنا إلى ما التزم به من توجيهات ربانية كقوله تعالى له (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ)وقوله (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) نجد أنها لم تكن هذه مجرد أوامر وتعليمات يجتهد الفرد في الالتزام بها على قدر استطاعته فيؤدي منها ما يشاء ويترك ما يشاء وإنما كانت بمثابة إلزام والتزام منه يأخذه من ربه ليلزم به نفسه ويعودها عليه بل ويلام إذا بدا منه أقل القليل تجاه أصحابه حتى وإن كان في مصلحة الدعوة مع غيرهم كموقفه مع عبد الله بن أم مكتوم حينما أعرض عنه لانشغاله بدعوة أحد المشركين المهمين وحرصه الشديد على أن يهديه الله إلى الإسلام ولكن ذلك لا يرضي المولى وينزل عليه قوله (عَبَسَ وَتَوَلَّى،أَن جَاءهُ الْأَعْمَى..) إلى آخر الآيات والتوجيه هنا يعطينا إشارة ربانية عظيمة للغاية تجاه نقطة مهمة وهى ألا يكون اهتمام القائد وتركيزه على الإنجاز أكثر من اهتمامه وتركيزه على الأفراد الذين معه.
فكأن نقطة البداية هنا هي البشر الذين يمثلون عدة العمل وفريقه فإن القدرة على تفجير طاقات الأفراد من خلال نمط قيادي يحسن التعامل معهم فإنهم سوف يحققون أعلى درجات الإنجاز والإنتاجية.
أيها الإخوة الأحباب: كثيرا ما نجد المربين لا يحاولون التعبير عن مشاعرهم تجاه أفعال وسلوكيات أفرادهم وخاصة تلك المتعلقة بالرضا والمدح فالانتقاد وذكر العيوب هو الأقرب والأسهل على نفوس الناس بينما يكون البخل شديداً إذا تعلق بكلمة رضا رقيقة أو مدح أو ثناء جميل رغم أن ذلك يكون له أثر طيب وإيجابي كبير على نفوس البشر..
هكذا يكون المربى إنساناً يمارس أهم أدواره الإنسانية في التعامل مع فريق العمل الذي معه فإن أحسن صنع ذلك والالتزام بما سبق فإن النتيجة الحتمية هي الوصول إلى مربى فعال منجز يحقق أعلى أداء بمن معه ولن يصل المربى إلى ما يريد من الأفراد حتى يعمل على إيجاد أساس متين من الحب والإخلاص المتبادل بينه وبين فريق العمل الذي يعمل معه دون وجود أدنى شائبة من الشقاق أو النزاع أو الصراع ويكون بذلك قد اقتحم المعادلة الصعبة للإدارة ورد بشكل عملي على الذين يدعون أنهم في سعيهم نحو الإنجاز والإنتاجية لابد وأن يضحوا بالمشاعر والأحاسيس والعلاقات الإنسانية .. وهيهات هيهات ، إن أهم ما يجب أن نتعلمه اليوم من دروس هو أن القائد ليس إلا مفجّر لطاقات وقدرات من معه ويهيئ لهم مناخاً إيجابياً يوجه هذه الطاقات لأعلى درجات الإبداع والابتكار دون أن يشغل نفسه بتفاصيل الأداء وتفاهاته، هذا ما يجب أن نتعلمه ونعلمه لأنفسنا ونحملها على إتباعه.
أيها الإخوة الأحباب: ومن الأمور المهمة أيضا حتى تكون العملية التربية منتجة عدم ترك الخلاف بين المربى والمتربي يصل إلى تعقيد المشكلة فحل الأمور في بدايتها قد لا تحتاج لأكثر من كلمة أو قرار أو زيارة أو لقاء أو اعتذار أو معاتبة أو توضيح أو مكاشفة أو غير ذلك من الأمور السهلة أما إذا تركت فتحتاج إلى جهد كبير وقد تنجح أو لا تنجح....
وفى الختام أسأل الله العلى القدير أن يوفقنا إلى ما يحب ويرضى فما كان فيه من توفيقٍ فمن الله، وما كان فيه من خطأ فمن نفسي والشيطان، والله أسأل القبول والتوفيق والسداد.
الآراء