و أنا مؤمن والى درجة اليقين : ان الجيل الاسلامي الحاضر ، العرب والأعاجم منه : سيرى النصر والتمكين على الرغم من نواقص كثيرة تعتريه ، في وصف درجة تمسكه بالدين والأخلاق ، أو مستواه العلمي والمدني والحضاري ، وعقيدتي في ذلك تخالف أقوال الوعاظ الذين يمارسون التبكيت له ، واللوم والتقريع العنيف إزاء ما يرونه من نواقص ودنيويات هابطة في النوايا والممارسة العملية ، والسبب أني أفصل ما بين القول التربوي والوعظ والنصيحة ، وبين فهم فقه التغيير والحياة في حركتها الدائبة، الخافضة ، الرافعة ، وكُلنا في قبضة القدر الرباني ، ونحن جميعاً تحت رقابة الله في كل أمر جليل أو دقيق ، والموعظة الاسلامية الايمانية الاخلاقية حق وواجب تشترطه الشريعة علينا ، وأن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ، وأنا أُشارك في ذلك ما استطعت ، قولاً وكتابة

ولكني أيضاً وفي نفس الوقت اعتقد ان الله أرحم بعباده، وأن الله تعالى إذا وجد في كل أمة رهطاً من الدعاة ينصرون دينه ، ويقيمون الصلاة ، ويحرصون على الالتزام الاخلاقي الصارم ، وتمثيل العفاف ، ويكون لهم نجاح في اجتياز المغريات والفتن والمحن والسجون والقتل ، والتعالي على المصاعب والمصائب : فانه يكون مُنزلا لانواع النِعَم عليهم ، من حُسن السمعة ونقاوة الفكر وصواب الاجتهاد وسواء النفس ، مع هيبة واحترام وتأييد وسعة في دائرة الولاء ، ويهب اسواء بقية الجيل ونقصهم وكسلهم في العبادة ورخاوتهم في الالتزام للإحسان الذي يتحلى به الدعاة ، فيعفو عن كثير ، ويذيقهم حلاوة الحرية والعدل

وهذا الفهم لهذه الانواع من الرحمة الربانية : ليست من نسج خيالي ، بل عندي الدليل الذي هداني ربي سبحانه إليه واعتبره اعظم وأثمن اجتهاد في الفكر التغييري الاسلامي توصلت اليه وانفردت به وأراه سيكون بالتدرج المفهوم الفاصل وزاوية التحول الى الايجابية في الفكر السياسي الاسلامي المعاصر ، ويكمن هذا الدليل في قصة موسى، وخلاصته : أنه عليه السلام بقي ولبث يشتغل لقضية بني اسرائيل ويقاتل ويريد أن يفتح الفتوح ويقيم لهم دولة على الرغم من انحراف اكثرهم وعبادتهم العِجل وجبنهم وقولهم له : اذهب انت وربك فقاتلا ، فقعدوا ، وقاتل خلفاؤه بالشباب التغييري الذين هم ذرية بني اسرائيل العصاة ، الذين خلدتهم آية القرآن ( فما آمن لموسى إلّا ذرية من قومه ) ، فقادة الدعوة يكفيهم أنهم أعانهم الله فأتقنوا تربية جيل عريض من الشباب الاسلامي الذين هم مادة هذا الإعصار الثوري ، وقولهم الوعظي ماضٍ ومتصل مستمر ، ولكنهم اليوم لا يمارسون تبكيت الناس ، بل يدعونهم للرفل بعطايا حرية أنشأوها لهم بتوجيه حركة الشباب ، المنتمي صراحة لهم ، أو المتباعد الذي يبرأ منهم ولا يلحظ أن فكره وسلوكه هو نتاج إيحاء خفي تراكمي للفقه الدعوي والمواقف الدعوية الكبرى وكلمات سيد قطب وأمثاله من مفكري الدعوة ، أو أشعار الشعراء الذين حركوا القلوب : وليد والاميري وأضرابهما ، أو الحان المنشدين لها: كأبي الراغب وحوّى ، أو تقارير الاعلاميين ورنين حروف الخطباء ، أو مناظر دماء الشهداء في سوح فلسطين والعراق والافغان وجنوب السودان ، وصعود كل هذه الانواع الخيرية من التأثير بنسبها الشريف الى القدحة المباركة التي قدحها الامام الشهيد حسن البنا ، وكل ذلك قد نضج على طريقة الصبر الواعي الدعوي على ظلم الظالمين الذين غشتهم وصايا رجال مخابراتهم فأغرتهم بأن يزيدوا من الظلم من غير أن يفطنوا أن الله يمهل ولا يهمل ، وان تراكمات الاستبداد والجور تظل دائبة في التأثير التصاعدي حتى تبلغ مستوى الانفجار المعاكس واستطابة بذل الدم ثمناً للحرية.