لا يمكن بأي حال وصف بشاعة تلك الجريمة الإرهابية التي استشهد على إثرها خمسون مسلماً دون سبب إلا لأنهم مسلمون تجمّعوا في يوم الجمعة لأداء ما افترضه الله عليهم، متمسكين بعقيدتهم رغم كل المغريات التي تحيط بهم في بلاد "الكفر". فمنظر ذلك الإرهابي الذي دخل مسجدين ليسفك دماء الأبرياء دون سبب، وكأنه يقوم بمحاكاة لواحدة من ألعاب الفيديو، يثير القشعريرة والاشمئزاز، إذ كيف تهون دماء المسلمين إلى هذا الحد، وكيف يتجرّأ هذا المجرم ومن معه على ارتكاب جريمة بهذه البشاعة دون خوف أو تردد! حقائق هامة لا يمكن أن ننتزع هذه الجريمة من سياق العديد من الجرائم التي استهدفت المسلمين في شرق الأرض وغربها ، ففي كل بقعة من هذا الكوكب نرصد مأساة مختلفة للمسلمين، حتى بين أهليهم وظهرانيهم. فيكفي أن تتابع نشرات الأخبار ليوم واحد، لتكتشف ما يحل بأمتنا من سوء وبلاء، قتل وأحكام بالإعدام واغتيالات، اعتقال وتعذيب وانتهاكات، إبعاد وتشويه وافتراءات، مصادرة للأموال والممتلكات، إغلاق للمساجد والمؤسسات، تشويه للثوابت وتجاهل للمقدسات، وغيرها من أمور يندى لها الجبين. ناهيك عن أن كثيراً من دولنا تتذيل قائمة الدول من حيث الحريات وحقوق الإنسان، وتتربع على المراكز الأولى في انتشار الفساد والتخلف وضعف التنمية، وتدهور الأوضاع المعيشية، وهو ما يجعلنا عديمي القيمة في نظر العالم وإعلامه، ويجعل دماءنا رخيصة بنظر الآخرين.

كثير من دولنا تتذيل قائمة الدول من حيث الحريات وحقوق الإنسان، وتتربع على المراكز الأولى في انتشار الفساد والتخلف وضعف التنمية، وتدهور الأوضاع المعيشية، وهو ما يجعلنا عديمي القيمة في نظر العالم وإعلامه، ويجعل دماءنا رخيصة بنظر الآخرين حتى في دول الغرب -تلك التي تدعي الديمقراطية والحرية- فإن هناك ارتفاعاً في نسبة ما يعرف بــالإسلاموفوبيا، ولا يكاد يمر وقت إلا ونسمع بأرقام مرعبة حول هذا الأمر.

فعلى سبيل المثال: ارتفعت نسبة جرائم الكراهية في بعض المدن الكندية إلى 200% مقارنة بالعام السابق، وفي دراسة أجراها مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير) أشار إلى أن عدد الاعتداءات على المسلمين في 2016 مثلاً تجاوز 2000 اعتداء مقابل 1400 في السنة التي قبلها، وإنني متأكد أنها تضاعفت خصوصاً بعد وصول ترامب للسلطة وما يحمله من خطاب عنصري تحريضي تجاه المسلمين. ويقابل هذا كله نشاط واضح لليمين المتطرف، ذاك الذي يجاهر بعداء المسلمين، ويريد طردهم من تلك البلاد؛ للحفاظ عليها، خصوصاً في ظل تزايد أعداد المسلمين، إما بسبب الزيادة الطبيعية أي زيادة أعداد المواليد، وزيادة أعداد من يعتنقون الإسلام، أو بسبب زيادة أعداد المهاجرين وطالبي اللجوء نظراً لتردي الأوضاع في بلادنا الإسلامية مع بالغ الأسف.

لكن لماذا يستهدف اليمين المتطرّف المسلمين فحسب؟ لابد أن أؤكد أن اليمين المتطرف يستهدف العديد من الفئات، لكن يركز على المسلمين لأكثر من أمر، منها:

1- زيادة أعداد المسلمين كما أشرت سابقاً.

2- الإسلام دين يجمع بين المظهر والجوهر، ففيه بناء المساجد، والحجاب، وإطلاق اللحى، وأكل اللحوم الحلال، والابتعاد عن الخمر والخنزير وغير ذلك.

3- تحول العديد من المسيحيين إلى الإلحاد، مما يظهر فشلاً في تقبل الناس لأفكارهم، حتى أن صحيفة التيليجراف البريطانية نشرت في عدد لها قبل عامين أن 49% من سكان لندن "ملحدين" مقارنة بـ22% منهم مسيحيون فقط! ولذلك هم لا يريدون معاداة الملحدين لأنهم أظهروا فشلهم في إقناع الناس، وإنما يوجهون سلاحهم تجاه المسلمين للثأر من ذلك علماً أنهم لا علاقة لهم بذلك.

4- التاريخ المشرق للمسلمين، الذي يثير فيهم الكراهية والحقد، فالخلافة العثمانية كانت ترعب أوروبا بأكملها، ووصلت سيادتها لدول البلقان في وسط أوروبا، وهو ما يظهر حالة الحقد تجاه تركيا كمقر الخلافة العثمانية الإسلامية آنذاك .

5- أنهم الحلقة الأضعف في دولهم، فليس لهم دولة تدافع عنهم، أو تفرض العقوبات على من يعتدي على جاليتها، بل إن بعضها مع الأسف يتعاون مع الدول الكافرة في محاربة مسلميها، وقتلهم والتضييق عليهم بمراقبة المساجد، أو التحذير منهم تحت مسمى (مكافحة الإرهاب)، مما يدع الفرصة لكل مريض نفسي لأن يقوم بما يريد تجاه المسلمين.

المسلمون هم الحلقة الأضعف في دول الغرب، فليس لهم دولة تدافع عنهم، أو تفرض العقوبات على من يعتدي على جاليتها، بل إن بعضها مع الأسف يتعاون مع الدول الكافرة في محاربة مسلميها، وقتلهم والتضييق عليهم بمراقبة المساجد، أو التحذير منهم تحت مسمى (مكافحة الإرهاب) ما المطلوب؟ حينما ننظر إلى حال الأقليات المسلمة نشعر بحالة من القهر والحزن تجاه ما وصلوا إليه، فحال (الروهينجيا) في ميانمار لا يخفى على أحد، وهو ليس وليد اليوم، بل مر عليه سنوات عديدة. وكذلك حال المسلمين (الإيغور) في الصين، ويشمل هذا الأمر العديد من المسلمين في دول أخرى.

لكن وضع المسلمين ليس جيداً حتى في الدول التي يشكلون فيها أغلبية، فالقدس أولى القبلتين، ما زالت خاضعة للاحتلال منذ عقود، والمسلمون فيها يقتلون صباح مساء، وغزة محاصرة وأهلها يموتون ويقتلون يومياً، دون منقذ، بل بعضنا يدعو إلى خنقهم ليغيروا من أوضاعهم ويتنازلوا للمحتل ليعربد على أرضهم! كل هذا ينعكس على حال المسلمين في شتى الدول الذين ليس لهم معين إلا الله عز وجل، وهو ما يفرض عليهم -كونهم يتمتعون بجنسية دول أخرى- أن يقوموا بالعديد من الأمور لتحسين أوضاعهم، منها:

1- توحيد الفتوى وطريقة التعامل مع المستجدات في بلدانهم، فما يزال المسلمون في الدول غير المسلمة اليوم يعيشون في فوضى حول أبسط الأشياء، فنادرًا ما تجد مدينة يتوحد سكانها حول صيام رمضان وإفطاره ، وهو ما يعكس صورة سلبية للحكومات غير المسلمة.

2- قطع الطريق على من يريد أن يحرف رسالة الإسلام عن مساره، من خلال تأجيج الخلافات، والمسائل التي قتلت بحثاً، ونشر الفتن بين المسلمين ليضربهم ببعضهم.

3- دراسة الأوضاع السياسية للدولة، والسعي لدخول المعترك السياسي بدعم كامل من المسلمين، فالوصول إلى دوائر صنع القرار أمر هام في وقف العديد من جرائم الكراهية، والتأثير على مشرعي القوانين، وأقلها اعتبار الإسلاموفوبيا جريمة كراهية لا تقل خطورة عن "معاداة السامية" التي تحمي اليهود من النقد والهجوم.

4- المجتمعات الغربية هي مجتمعات غير متجانسة، لا يجمعهم تاريخ أو ثقافة أو عادات معينة، ولهذا فظهور مثل هذه الجرائم لا يمكن وقفه، لكن الأهم، كيف يمكن أن نقلل من عدد جرائم الكراهية التي تستهدف إخواننا وأخواتنا في تلك الدول.

هل هناك شيء غير التسامح؟ تفتخر بعض دولنا بنشر ثقافة التسامح بين مواطنيها، وهذا أمر تشكر عليه؛ لأن التسامح واحترام حقوق الإنسان، ومراعاة الاختلاف، وعدم الاعتداء على الأبرياء حتى لو خالفونا في ديننا أمور أصيلة لا جدال حولها في ديننا ، ولست بصدد سردها هنا لأنها كثيرة جداً. لكن السؤال الأهم، ماذا لو لم تبادل تلك الدول مسلمينا بالتسامح الذي نقوم به، هل يوجد لدينا حل آخر؟ على سبيل المثال، اليهود الصهاينة يحتلون الأقصى، ويدنسون مقدساتنا باستمرار، ولا يمر يوم إلا ويقتل فيه فلسطيني أو يعتقل فيه آخرون، فكيف نتسامح مع هؤلاء؟ وما السبيل للتعامل معهم وهم لا يقيمون لديننا وزناً، بل يريدوننا أن نكون مطية لهم ليحققوا الأمن والاستقرار لكيانهم الغاصب!

وهنا سؤال موجه لدور الإفتاء في دولنا الإسلامية، ما رأيكم في دول يرأسها أو يشارك في حكوماتها يمينيون متطرفون، ويدعون جهاراً نهاراً لقتل المسلمين وطردهم؟ ما الحكم في التسامح مع من يؤيدون ذلك؟ وما السبل لوضع حد لأولئك للحفاظ على أرواح المسلمين هناك؟ إن ما قرره ديننا أن المسلمين إخوة، قال تعالى: {إنما المؤمنون إخوة} [الحجرات: 10]، وقال صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" (متفق عليه). وبمتقضى هذه الأخوة، فإن ذلك الحادث الإرهابي لم يستهدف المسلمين في نيوزيلندا فحسب، بل استهدفنا جميعاً، وهو ما يوجب علينا التوحد على ثوابتنا والتمسك بديننا.

اللهم ارحم شهداءنا، وتقبلهم، واشف جرحانا، وغير أحوالنا إنك سميع مجيب.