غزت الأجهزة المتطورة حياتنا العصرية و أصبح لا غنى عنها في تصريف أمورنا من أبسطها لأعقدها وأصبح اقتناؤها أمرا حتميا، وكأن الإنسان قبل ظهورها لم يكن يحسن القيام بأبرز مهامه الحياتية و لم يكن يعي كيف يدير شؤونه الشخصية. مع تعدد أشكال الأجهزة المتطورة و خروجها في صور جذابة و مغرية للعين بدأ تهافت المراهقين على اقتنائها و استغلالها في الدرجة الأولى في الترفيه و الاستمتاع و قضاء الوقت، و لا لوم عليهم في ذلك طالما أنه يحدث بموافقة الوالدين ومباركتهما، فالمشكلة تبدأ بتقديم جوال متطور أو حاسوب متعدد الإمكانات للابن المراهق الذي لا يعي قيمة الجهاز و لا يحسن استغلاله فيما يجدي. لا جدال في أن للأجهزة المتطورة استخداماتها المفيدة الهائلة، لكن لا يمكن إنكار حقيقة أن العديد ممن يحرصون على اقتنائها و مسايرة كل ما هو جديد منها يجهلون قيمتها ولا يستغلونها على النحو السليم.
إذا تأملنا التأثيرات السلبية للإنترنت و شبكات التواصل الاجتماعي التي بات استخدامها ضرورة لا غنى عنها ضمن البرنامج اليومي لشريحة ليست بالهينة من مراهقي اليوم، فهي ليست وسيلة للتعارف والاتصال، بل وسيلة للانغلاق والانعزال!.قد يندهش البعض من هذا الافتراض، ولكنها الحقيقة فهي تعزل المراهق عن بقية أفراد أسرته وتدخله إلى عالم افتراضي يتعامل فيه مع أصدقاء لا يعرف عنهم إلا ما ينشرونه عن أنفسهم من معلومات قد تكون زائفة. مع ذلك لا يمكننا أن نتجاهل فوائد التواصل عبر الإنترنت و قدرته على تقريب الأشخاص وتناقل الخبرات، إذا ما أحسن المستخدم استغلال إمكاناته، وهذا ما ينقص مراهق اليوم.
يتيح الإنترنت في وقتنا الراهن إمكانات متعددة من الممكن استغلالها فيما يأتي بالنفع على المراهقين، فهو يتيح تبادل المعلومات بسرعة و سلاسة في وقت خلال اليوم و لأي عدد من الأصدقاء، ما يجعل منه وسيلة مثالية لتبادل الخبرات و التواصل مع أصدقاء جدد ينتمون إلى مختلف بقاع الأرض، و في الاتصال بالأهل و الأصدقاء ممن تفرق بين المراهق و بينهم مسافات طويلة، ولكن إذا تأملنا هذه النوعية من الصداقات فهل هي علاقات طبيعية وسليمة تغني عن التواصل المباشر؟ هل يغنينا الإنترنت عن زيارة الأحباب والمقربين والجلوس معهم للتسامر والتندر واسترجاع اللحظات الطيبة؟ بالطبع لا، فهو بذلك يزيد التباعد ويحجم وسائل التواصل في الدردشة وتبادل الرسائل النصية.
إذا تأملنا استخدامات أجهزة الجوال و الحاسوب اللوحي و مشغلات الوسائط المتعددة فسنجد أن معظمها موجه للترفيه و إضاعة الوقت رغم إمكانية استخدامها في أمور نافعة. رغم تعدد هذه النوعية من الأجهزة، ينحصر استخدامها في سماع الأغنيات ومشاهدة البرامج وممارسة ألعاب الفيديو والدردشة والتقاط الصور، وهذه الاستخدامات لا تستحق بذل المال من أجل الحصول على تلك الأغراض، فالإنفاق على مثل هذه النوعية من الأشياء مضيعة للمال.
الأسوأ من إضاعة المال التعود على استخدام الأجهزة في تلك الأغراض دون غيرها و مواصلة استخدامها على هذا النحو لفترات طويلة حتى يصبح ذلك كالإدمان الصعب الإقلاع عنه. و الأسوأ من ذلك كله هو انزواء المراهق عن بقية أفراد أسرته و انشغاله بتلك الأجهزة لساعات و فقدانه الرغبة في التواصل مع الأهل والمشاركة في المناسبات الاجتماعية. لا يمكننا أيضا تجاهل أثر الاستخدام المتواصل لهذه النوعية من الأجهزة على السمع و البصر، ناهيك عن تأثيرها على المخ بما تصدره من ذبذبات وإشعاعات أثبت الطب ضررها، وإن كانت تأثيراتها السلبية لا تظهر إلا بعد سنوات من الاستخدام المعتاد، ما يصعب مهمة التحذير منها.
للأجهزة المتطورة تأثيراتها الإيجابية و السلبية على المراهق، والعاقل هو من يحسن استغلال الإيجابيات ويجنب نفسه مخاطر السلبيات. لا يمكننا أن ننكر توفيرها الاتصال بسهولة و سرعة فائقتين و توحيدها الاختلافات بين البشر وتسهيلها نقل الخبرات، ولكن مع ذلك لا يمكننا أن نغفل عن إضاعتها للوقت و إلهائها المراهقين عن ضرورة التواصل مع بقية أفراد الأسرة.
المصدر: موقع ياهو
الآراء