انعقدت الجلسة  الثانیة عشرة للشوری المرکزي لجماعة الدعوة والإصلاح الإیرانیة فی مکتب الجماعة  بطهران. و قد تم خلالها مناقشة أحدث المسائل والقضایا المتعلقة بالجماعة کما تم اتخاذ القرارات اللازمة..

وفي بدایة هذه الجلسة قد عبر الأستاذ عبدالرحمن البیراني، الأمین العام للجماعة، عن رأیه حول العدید من القضایا يأتي ملخصها کالتالي وافتتح قائلا:

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمدلله الذی خلق الإنسان فقدّره تقدیرا وأنعمَ علیه بِنِعَمِهِ وجعله سمیعاً بصیرا وأفاض علیه آلاءهُ لیکون بخلافته جدیرا، ومتّعه بالحریّة لیبقی وصف العبودیة له بها محصورا وصلی الله و سلم علی السراج المنیر سیدنا محمد الذی کان لدعاة الإنسانیة أمیراً والذی علّم أصحابه أن للحریة ثمناَ کبیراً، فحملوا هدیة الإسلام لیکون الکون بها معمورا، فقاموا بالهمة خیر قیام وأتم نظاما رشیدا مستوعبا کل أطیاف الناس شریفاً وحقیرا وفقیرا ووزیرا.

أرحب بجمیع الحضور و أتمنی أن تکون هذه الجلسة کسابقاتها تهدف إلی خدمة دین الله وخلقه وأن تکون منطلقا للخیر ومرضاة لله تبارک وتعالی

أقدم لحضراتکم مختصراً عن ضرورة فهم الأولویات و تشخیص العلل والمشکلات الأساسیة بدل القیام بحل المسائل الجزئیة.

من المعلوم أنّ العمل فی مسیرة الإصلاح یستلزم معرفة صحیحة بالعلل و الآلام و بطبیعة الحال فإن تلک العلل و المشاکل الرئیسیة التی تکون بمثابة علة العلل، تبقی في رأس قائمة العلاج و بؤرة الاهتمام الخاصة و في غیرهذه الحالة، فإن الجهود والمساعی سوف لن تثمر کما ینبغي فلابد من معرفة الأمراض والعلل الأساسیة ومن ثم القیام والعمل من أجل علاجها. ولهذا قام کبار کالسید جمال، رشید رضا، محمد عبده، حسن‌البنا، أبوالأعلی مودودی، شکیب ارسلان وغیرهم بالترکيز علی القضايا و الأمراض الرئیسیة لعصرهم و التي في مقدمتها أزمة الحضارة عند المسلمین و قد نبهوا علی وجود أمراض کالخلافات والتباغض و الخمول والفساد و الرکود و الظلم علی أنها علل و أمراض أساسیة لهذه الأمة وقد عملوا علی توعیة المسلمین لعواقبها الوخیمة.

إن هؤلاء القادة قد أدرکوا أن من منظور علم الاجتماع السياسي  یُعد کل من الجهل والفقر والظلم والاستبداد والفساد و الرکود  بمثابة سرطان للأمم وأن العلم والمعرفة والعمل والحریة والعدالة واحترام کرامة الإنسان وحقوقه الأساسیة، من أسباب الحیاة والسعادة والرقي والعلو ... وهذا ملخص تاریخ الحضارات.

إن الدین الإسلامي ومع بدایة ظهوره منذ 14 قرناً قد أبدی اهتماماً تاماً للعقل ولحریة الفکر والمعتقد وأکد علی ترک التقلید الأعمی واتباع الأهواء الفردية و سنن الآباء والأجداد، وعلی هذا تمکنت من أن تقدم لأتباعه  أرقی الحضارات.... و ما إن ابتعد المسلمون عن تلک الحضارة الراقیة المتفوقة، حتی وقعوا في فخ الخلاف و التباغض والجهل والعصبیة.

یقول محمد عبده- رحمه الله-: إن المسلمین المعاصرین أصعب انقیاداً للحق من الجاهلین. ولذک لم يؤد الکثیر من الجهود الإصلاحية المبذولة الی النتيجة المنشودة. فإن الجهود و التضحيات کانت عظيمة و خالصة غير أنها لم تحظ لا بقليل من النجاح لإنها لم تکن تتلائم مع الآلام الحقيقية.

ولذا فإنی أری لزاماً علينا کجماعة الدعوة والإصلاح الإیرانیة أن ندرک الآلام  بشکل صحیح و ندخل من البوابة الأصلية وهی الدعوة إلی مجتمع مدني و هو الذی تجتمع فیه القیم و المفاهیم الإصلاحية و الإنسانية السامية کالحریة والعدالة والمساواة و احترام حقوق جمیع المواطنین و التعددیة و احترام الرأی الآخر والتسامح واحترام الدستور والالتزام بحل سلمي و مدني للقضایا و تقديم التعامل علی التعارض و الالتقاء علی الاختلاف.

يبدو أن العمل علی تأسیس هذه المفاهیم وتحویلها إلی سلوکیات فردیة و اجتماعیة  فی میدان العمل هو من أهم الأولویات. یجب أن نعترف بأن الفقهاء والوعاظ والدعاة قلما اهتموا بقضایا مهمة و جوهرية  کالحريات وخلق ثقافة الحوار والتسامح والعدالة والتوفيق بین الحقوق والحریات والمسئولیات والواجبات.

ومن نافل القول أن الطرح المبسط لهذه القضایا یُعد من قضایا عصرنا هذا الذي هو زمن الحریات والحقوق والتمتع بالموقع اللائق.

إذا یجب علینا أن نعمل قدر الإمکان علی التأصیل والتنظیر والتأسیس لهذه المفاهیم حتی یکون لنا حظ وافر فی خدمة وطننا إيران نحو العلو والازدهار.

فی العالم الإسلامی طالبت بعض الحرکات الإسلامیة المجتمعَ بتطبیق الشریعة ولکنها غالبا ما قوبلت فی میدان العمل بالفشل أو بالاحتجاج والمقاومة والسبب أنها لم تهیئ المقدمات اللازمة  لهذا الأمر سابقا ولم تؤکد علی ضرورة التربیة علی أساس الحریة و احترام حقوق الآخر و النقاش والحوار الودي فی القضایا الخلافیة و التسامح و قبول الآخرین ـــ ولو لم نکن متفقين معهم فی جميع القضایاـــ کما أن تلک الحرکات لم تؤکد علی العلم والمعرفة والفکر والتأمل والتجدد والإبداع بدل تعمیق فجوة الخلافات و تمهيد أرضیة العداوة.

یقول الشیخ ابوالحسن الندوی رحمه الله-: نحن تربیة إسلامیة حرة، و لن ینهض السلوک إلا إذا نهض العقل والفکر والعلم ولا یکون ذلک إلا فی جو الحریة المسؤولة. و حقاً إن الصحوة الفکریة والنهضة العلمیة الفعالة لن تتحققا إلا فی ظل الحریة المسؤولة.