المشهد السني الإيراني

السنة والمعسكران المتنافسان

السباق الرئاسي القادم

أصبح أهل السنة الإيرانيون اليوم رقما صعبا في الانتخابات الرئاسية الإيرانية لثقلهم السكاني أولاً، ولتوجه أصواتهم نحو تشكيل كتلة تصويتية منظمة ثانيا. ولذلك يُتوقع أن تكون لأصواتهم أهمية كبيرة في حسم السباق الرئاسي.

المشهد السني الإيراني

يتوزع السُّنة في إيران على 12 محافظة من أصل 31، ورغم عدم وجود إحصائية رسمية لعدد أهل السنة في البلد فإن قيادات وتيارات سنية تقدر نسبتهم بما بين 15 و20% من سكان إيران (80 مليون نسمة)، وهناك من يتحدث عن نسبة أقل من ذلك. وتقول قيادات إيرانية سنية إن قرابة 6 ملايين من السنة يحق لهم التصويت في الانتخابات الرئاسية القادمة. وينتمي السنة الإيرانيون لقوميات عدة: الكردية، والفارسية، والبلوشية، والآذرية، والتركمانية، والعربية، والطالشية، وكان هذا سببا في انتشارهم بمحافظات كثيرة، كما أنهم غالبا يقطنون على الحدود الإيرانية.

"من المفارقة أنه في بلد شيعي مثل إيران -التي لا توجد فيها حياة حزبية قوية وإنما تيارات سياسية وفكرية قوية- ربما تُعدّ جماعة الدعوة والإصلاح السنية الأكثرَ تنظيما ومؤسسية على المستوى الوطني، مقارنة ببقية الأحزاب والجماعات السياسية الإيرانية ما عدا حزب المؤتلفة الإسلامي الشيعي" تعمل في الوسط السني الإيراني تيارات دينية وسياسية عديدة، أبرزها جماعة الدعوة والإصلاح المحسوبة على الفكر الإسلامي الوسطي العالمي، وجماعة العالم الديني البلوشي عبد الحميد إسماعيل زهي (خطيب جمعة مدينة زاهدان بمحافظة سيستان وبلوشستان)، التي تُحسب على المدرسة الديوبندية المنتشرة في شبه القارة الهندية.

وتقوم هاتان الجماعتان بالدور الرئيسي في توجيه أصوات الناخبين السنة. ومن المفارقة أنه في بلد شيعي مثل إيران -التي لا توجد فيها حياة حزبية قوية وإنما تيارات سياسية وفكرية قوية- ربما تُعدّ جماعة الدعوة والإصلاح الأكثرَ تنظيما ومؤسسية على المستوى الوطني، مقارنة ببقية الأحزاب والجماعات السياسية الإيرانية ما عدا حزب المؤتلفة الإسلامي الشيعي.

إذ للجماعة عشرات الآلاف من الأعضاء المبايعين -إلى جانب المؤيدين والأنصار- في 12 محافظة إيرانية؛ وإضافة إلى مكتبها الرئيس في طهران العاصمة، لها مكاتب تمثيلية في تلك المحافظات. كما تدير الجماعة عشرة مصليات في طهران، إضافة إلى مصلاها الرئيسي الذي أصبح محط أنظار المرشحين في الانتخابات، ولا سيما البرلمانية والبلدية. ويقصد هذه المصليات المرشحون من المعسكرين الأصولي والإصلاحي -وخاصة الأخير- لاستقطاب أصوات الناخبين السنة في العاصمة. فعلى سبيل المثال، زار عدد كبير من المرشحين للانتخابات البرلمانية وانتخابات مجلس خبراء القيادة -اللتين أجريتا عام 2016- المصلى الرئيسي للجماعة بطهران، ودعمت الجماعة هاتين القائمتين الإصلاحيتين اللتين اكتسحتا النتائج في طهران بالكامل.

كما أن الشيخ عبد الحميد إسماعيل زهي أيضا له نفوذ واسع بين السنة في بلوشستان ومحافظتيْ خراسان الجنوبية والرضوية، وله شعبية بين أهل السنة والجماعة بشكل عام في مناطق وجودهم. وإلى جانب هذين التيارين، ثمة شخصيات سنية لها تأثير معتبر على أصوات الناخبين في المناطق السنية. وهناك أيضا تيارات دينية سنية أخرى لا تولي اهتماما بالعملية السياسية، مثل جماعة التبليغ التي تعمل تقريبا في جميع المناطق التي يقطنها السنة، وكذلك السلفيون، وأصحاب مدرسة القرآن الكريم في كردستان.

وثمة حركات قومية معارضة - ليس لها طابع مذهبي أو ديني- تعمل وسط السنة، خاصة بين الأكراد في المحافظات الثلاث (كردستان، أذربيجان الغربية، وكرمانشاه)، وقيادات هذه الحركات -المناهضة للثورة الإسلامية في إيران- تعيش في دول أوروبية وغربية، وبعضها يقوم أحيانا بعمليات مسلحة على الحدود الإيرانية.

وكذلك توجد جماعات مذهبية محلية مسلحة في بلوشستان تتخذ من أراضي الدول المجاورة لإيران مقرا لها، وتقوم بعمليات ضد القوات الإيرانية بين حين وآخر. وبشكل عام، لا تحظى الجماعات المسلحة بشعبية في الوسط السني الإيراني الذي يوصف بطبيعته المسالمة، والعمليات التي تقوم بها هذه الجماعات يُنظر لها بعين الريبة والشك، وهذا ما نلمسه في التعليقات والبيانات التي تصدرها الشخصيات والجماعات والتيارات السنية البارزة تنديدا بالعمليات العسكرية.

السنة والمعسكران المتنافسان

رغم أن أهل السنة لا يستطيعون الترشح للانتخابات الرئاسية بموجب المادة الـ115 في الدستور، فإن ذلك لم يمنعهم من المشاركة في الانتخابات والتصويت للأقرب إليهم وإلى تلبية مطالبهم التي تنقسم إلى قسمين: الأول، مطالب عامة يشترك فيها السنة مع الشيعة الإصلاحيين وحتى الأصوليين، مثل إصلاح الوضع الاقتصادي وتعزيز الحريات العامة. والنوع الثاني مطالب تخص السنة أنفسهم، وتأتي في مقدمتها -كما عدّتها جماعة الدعوة والإصلاح في بيانها الصادر يوم 10 مايو/أيار 2017- المساواة في التنمية المناطقية، وإرساء مبدأ المواطنة، والتوزيع العادل للإمكانيات والثروات، وتغيير السياسة الأمنية في التعامل مع المناطق الحدودية.

"تقارب أهل السنة مع الإصلاحيين الشيعة تُرجم أكثر من مرة في نتائج الانتخابات الرئاسية من دورتها السابعة وإلى دورتها الحادية عشرة، إذ نال المرشحون الإصلاحيون المركز الأول في المحافظات السنية. فعلى سبيل المثال؛ حصل الرئيس الحالي حسن روحاني في الدورة السابقة على أكثر من 70% من أصوات محافظتيْ كردستان وبلوشستان" وكذلك الاستفادة من الطاقات السنية في المناصب العليا بالحكومة والمحافظات، والتعامل مع جميع المواطنين بعيدا عن الاعتبارات الأيديولوجية والمذهبية.

وهذا ما يؤكد عليه الشيخ عبد الحميد زهي أيضا في تصريحاته وخطبه بين الفينة والأخرى. لم ينجح الأصوليون الإيرانيون حتى الآن في كسب ثقة عموم الناخبين السنة وقياداتهم، فهم غالبا ما يصوتون لمرشحي المعسكر الإصلاحي في مواجهة مرشحي المعسكر الأصولي، حيث يجدونهم الأقرب إلى أنفسهم لسببين:

الأول الاشتراك في المطالب والأهداف، إذ إن ما يدعو إليه الإصلاحيون من تعزيز الحريات العامة والانفتاح السياسي هو ما يصبو إليه السنة أيضا. كما أن هذه المطالب تشكّل -حال تحققها- الأرضية الصلبة لتلبية المطالب التي تخص السنة.

والسبب الثاني هو أن الإصلاحيين يتجاوبون مع مطالب المجتمع السني أكثر من غيرهم، وقد بدأ هذا التجاوب خلال الحملة الانتخابية للرئيس السابق محمد خاتمي عام 1997، حيث بدأ الناشطون السنة ينخرطون في حملته، ثم تعزز هذا الانخرط رويدا رويدا إلى يومنا هذا. ولذلك نرى معظم النواب السابقين للسنة وناشطين مدنيين سنة يعملون في حملات الإصلاحيين الانتخابية دون غيرها.

هذا التقارب السني الإصلاحي تُرجم أكثر من مرة في نتائج الانتخابات الرئاسية من دورتها السابعة وإلى دورتها الحادية عشرة، إذ نال المرشحون الإصلاحيون المركز الأول في المحافظات السنية. فعلى سبيل المثال؛ حصل الرئيس الحالي حسن روحاني في الدورة السابقة على أكثر من 70% من أصوات محافظتيْ كردستان وبلوشستان.

وفي المقابل، بدأ الرؤساء الإصلاحيون في الانفتاح على السنة، وتعيين أفراد منهم في مناصب بالمدن السنية، واستمر ذلك في ولاية روحاني الأولى، حيث عُيّن لأول مرة سفيرٌ سني في تاريخ الجمهورية الإسلامية (هو الكردي صالح أديبي الذي عُين عام 2015 سفيرا لإيران في دولتيْ فيتنام وكمبوديا).

وسبق أن أنشأ الرئيس روحاني معاونية الشؤون الدينية والأقليات بُعيد فوزه في الدورة السابقة، وكانت على تواصل مع الأقليات - وفي مقدمتهم السنة- خلال السنوات الأربع الماضية.

السباق الرئاسي القادم

اليوم، وبعد توجه غالبية الناخبين السنة نحو تشكيل كتلة تصويتية موَّحدة وموجهة، انتقلت مطالبهم إلى الحملات الانتخابية للمرشحين خلال هذه الدورة بشكل لافت وغير مسبوق، وأول من فعل ذلك هو الرئيس المرشح حسن روحاني.

فقد اتهم خصومه في المناظرة التلفزيونية الثانية بأنهم لا يعيرون اهتماما للأقليات القومية والمذهبية (ومنهم أهل السنة والجماعة)، وقال متسائلا: "هل تحظى القوميات والأقليات بحقوق متساوية في بلدنا؟ عندما عينّا امرأة سنية حاكمة لمدينة هاجمونا لسببين: الأول لماذا عينّا امرأة؟ وثانيا لماذا عينّا من السنة في المناصب العليا؟".

"الانتخابات الرئاسية القادمة تشهد تنافسا محموما بين الخصوم الذين تتقارب نسب حظوظهم في الفوز، ولذلك فإن أصوات الناخبين السنة تكتسب أهمية قصوى، حيث بإمكانها أن ترجح كفة أي منهم. ويمكنها أن تحسم النتيجة لصالح روحاني في الجولة الأولى " وبعد أن تحدث روحاني بصراحة عن حقوق أهل السنة في المناظرات بشكل لافت أثار انتباه المراقبين، صار خصومه يتحدثون عن تلك الحقوق ردا عليه، كما أنهم قاموا بزيارات للمحافظات السنية والتقوا مع الشخصيات والناشطين المدنيين السنة لكسب ودهم الانتخابي.

واليوم لهم نشاط انتخابي واضح في تلك المحافظات، ولا سيما في المناطق النائية منها. وبعد مضي أكثر من أسبوعين تقريبا على إعلان مجلس صيانة الدستور أسماء المرشحين النهائيين، حسمت جماعة الدعوة والإصلاح موقفها بدعوة الناخبين السنة للتصويت لصالح المرشح روحاني، الذي يعمل بعض أعضائها في حملته بطهران، ويديرون بعض حملاته في المحافظات والمدن السنية. فقد أكدت الجماعة في بيانها المشار إليه سابقا أنها "بعد إبداء احترامها لمواقف جميع المرشحين المحترمين؛ تعلن الجماعة دعمها الرسمي للدكتور حسن روحاني، أملا منها في أن يترسخ خطاب الإصلاح والاعتدال ويستمر، داعية جميع المواطنين إلى المشاركة الواعية والفاعلة في هذا الحدث العظيم".

ثم نظّمت جماعة الدعوة والإصلاح السنة يوم 14 مايو/أيار ملتقى انتخابيا حاشدا في طهران ترأسه أمينها العام الدكتور عبد الرحمن بيراني، وحضرته شخصيات إصلاحية على رأسها إسحق جهانغيري النائب الأول للرئيس الإيراني. وأكد جهانغيري -الذي كان مرشحا إصلاحيا للرئاسة وأعلن انسحابه من السباق الانتخابي لصالح روحاني- في الملتقى ضرورة احترام حقوق أهل السنة في إيران، مشيرا إلى ما قام به روحاني خلال ولايته الأولى في هذا الصدد.

أما جماعة الشيخ عبد الحميد زهي؛ فرغم عدم إعلانها موقفها في بيان رسمي فإن "المجلس الإستراتيجي لأهل السنة" المحسوب عليها أصدر بيانا يوم 14 مايو/أيار، ورد فيه أن الشيخ زهي يدعو أهل السنة الإيرانيين إلى التصويت لروحاني. وفي اليوم نفسه؛ التقى الشيخ زهي النائب عن طهران الإصلاحي محمود صادقي وقال له إن "المجتمع السني الإيراني رغم ملاحظاته على أداء حكومة الحكمة والأمل؛ توصل إلى قناعة بأنه خلال ولاية الرئيس حسن روحاني كان الجو العام أكثر انفتاحا على السنة مقارنة بعهد الحكومة السابقة، لذلك فإن معظم السنة يميلون للتصويت لصالح الرئيس روحاني مجددا".

وترجح دعم عبد الحميد للمرشح روحاني بعد أن زاره النائب الأول للرئيس إسحق جهانغيري، وحسب ما نقلته مصادر عليمة فإن جهانغيري قدم وعودا للشيخ عبد الحميد نيابة عن روحاني مقابل إعلانه دعمه في الانتخابات القادمة. وهناك شخصيات علمائية من الطائفة السنية تدعم المرشح الأصولي إبراهيم رئيسي، مثل المولوي سلامي النائب عن محافظة بلوشستان في مجلس خبراء القيادة. ويُتوقع أن يحصل رئيسي على أصوات شرائح من المجتمع السني، ولا سيما في المناطق النائية والمدن السنية الصغيرة.

وفي المجمل؛ فإن الانتخابات الرئاسية القادمة تشهد تنافسا محموما بين الخصوم الذين تتقارب نسب حظوظهم في الفوز، ولذلك فإن أصوات الناخبين السنة تكتسب أهمية قصوى، حيث بإمكانها أن ترجح كفة أي منهم. ويمكنها أن تحسم النتيجة لصالح روحاني في الجولة الأولى إذا كانت حظوظ المرشحين متقاربة في المناطق والمحافظات الأخرى، وإن اتجهت الانتخابات لجولة ثانية فعلى الأغلب ستبقى أصوات السنة مؤثرة في حسم السباق.