أردوغان إلى سدة الحكم في تركيا عام 2002م، نجحت تركيا في تحقيق إنجازات كبيرة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فعلى الصعيد الاقتصادي (مثلاً) تحتل تركيا المرتبة السابعة عشرة على مستوى العالم، واستطاعت في العام 2013م تسديد ما عليها من ديون لصندوق النقد الدولي، وانتقلت بعدها من الدول المدينة إلى الدول الدائنة. وشهدت تركيا خلال حكم أردوغان تحولاً في مسار الهجرة، فبعد أن كانت تركيا تعاني من هجرة الشباب التركي نحو أوروبا وأمريكا الشمالية والجنوبية، أصبحت الهجرة تتدفق إليها، فالبيئة الاستثمارية مواتية للانطلاق نحو مستقبل أفضل للشباب التركي، ونجح أردوغان في عقد مصالحة مجتمعية مع الأقلية الكردية داخل تركيا، وانفتح على باقي مكونات المجتمع. أما في السياسة الخارجية فتبنت تركيا نظرية تصفير المشاكل الخارجية، ولكن في الآونة الأخيرة انحازت تركيا لمبادئها وقيمها، فناصرت الشعوب والثورات، وناصرت القضية الفلسطينية، ووقفت مع الشعب الفلسطيني ورفضت حصاره وتغول الاحتلال عليه، فكان الموقف البطولي لأردوغان بدافوس أثناء حرب الفرقان على غزة عام 2008-2009م، وبقطعه للعلاقات مع (إسرائيل) بعد اعتداء الأخيرة على سفينة مرمرة في عرض البحر المتوسط.
كل ذلك دفع العديد من الأطراف الإقليمية والدولية للعمل على إفشال التجربة التركية وإعادتها لبيت الطاعة الأمريكي والصهيوني، ولكن من خلال أدوات داخلية، فأوعزت إلى المعارضة التركية للتظاهر ضد الحكومة، وكانت أحداث حديقة تقسيم الشهيرة، ولكنها لم تنجح. ثم جاءت قضية إغلاق المدارس الدينية التي تتبع لجماعة فتح الله غولن من قبل الحكومة التركية، فاستغلت المعارضة التركية ذلك، اضافة الى فضائح الفساد المالي الذي شارك في تسريب وثائقه القضاء التركي بشكل متعمد حسب ما تحدث به أردوغان أمام الجماهير، حيث اتهم القضاة الذين كشفوا الفضيحة المالية التي تهدد حكومته بـ«العمل مع بعض المجموعات الإجرامية» من أجل «التشكيك في أشخاص أبرياء».
وقال أردوغان في كلمة أمام أنصاره في مانيسا: «بعض القضاة للأسف يعملون بالتنسيق مع بعض المجموعات الإجرامية وبالتعاون مع بعض وسائل الإعلام للتشكيك في أشخاص أبرياء بكشف وثائق سرية»، وأضاف في هذا اللقاء العام الذي نظمه حزبه العدالة والتنمية: «نريد الوحدة والتضامن، بعض الحركات ووسائل الإعلام ودوائر رجال الأعمال والدوائر السياسية أطلقت من تركيا هذه المؤامرة الحقودة».
كما اتهم أردوغان «عصابة داخل الدولة» بالوقوف وراء التحقيق الذي أرغم ثلاثة من وزرائه على الاستقالة.
ويقصد أردوغان في كلامه، جماعة فتح الله غولن التي كانت حليفته لفترة طويلة قبل أن تدخل في حرب ضد حكومته للتنديد بمشروع إلغاء مدارس خاصة تشكل المصدر الرئيس لتمويلها.
وشدد أردوغان على أن «هذه التطورات لا تستهدف حزب العدالة والتنمية، لكنها تستهدف تركيا،» مضيفاً: «إنهم لا يستطيعون تقبل فكرة أن تركيا تتطور».
إن ما يحصل في تركيا ويشارك فيه رجالات أعمال وأحزاب سياسية ومؤسسات إعلامية وبعض مؤسسات الدولة يهدف إلى إضعاف شعبية حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان، فمن المقرر أن تشهد تركيا في 30 آذار 2014م، انتخابات المجالس المحلية، وقد تشكل تلك الانتخابات مؤشراً مهماً للمزاج العام التركي، ولشعبية القوى السياسية، وعلى رأسها حزب العدالة والتنمية، وهو ما دفع حزب الشعب التركي لترشيح السياسي الشهير مصطفى ساري غول رئاسة بلدية اسطنبول، وتجدر الإشارة إلى الدلالة الرمزية للفائز بمنصب رئيس بلدية اسطنبول وزيادة فرصه السياسية في الوصول إلى سدة الحكم في تركيا.
بعد رصد وتحليل لما يحدث بتركيا يبقى السؤال الأهم: ما هي السناريوهات المتوقعة؟
1- سيناريو تجاوز الأزمة
تركيا مقبلة على استحقاق انتخابي مهم في 30/3/2014م، حيث من المقرر أن يذهب الأتراك للتصويت على اختيار هيئاتهم المحلية، وتشكل نتائج الانتخابات مؤشرات حول هويّة من سيفوز في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقرر عقدها عام 2015م، وقد تكون محطة اسطنبول من أهم المحطات الانتخابية في تركيا، فهي أكبر المدن التركية، ويعيش بها ما يقارب (13.5 مليون نسمة) بما نسبته 18% من تعداد سكان تركيا، وهناك عرف سياسي بتركيا يقول: «إن الطريق إلى قصر الحكومة في تركيا يبدأ من رئاسة بلدية اسطنبول»، وعليه فإن من أهم متطلبات سيناريو تجاوز الأزمة نجاح حزب العدالة والتنمية بالانتخابات المحلية والبرلمانية والرئاسية، فتجديد الشرعية من شأنه إحباط المؤامرة الدولية والإقليمية، ومزيد من الشفافية ومحاربة الفساد قد يساهم في تجاوز الأزمة، لأن مؤسسة الجيش والمخابرات لم تتدخل حتى اللحظة في مجريات الأحداث السياسية، وهذا يدعم سيناريو تجاوز الأزمة.
ما يؤكد هذا السيناريو:
1- النجاح الاقتصادي الذي حققه أردوغان وحزبه وانعكاسه على المواطن التركي.
2- الحاضنة الشعبية والمؤسساتية الداعمة لسياسات أردوغان الداخلية والخارجية، التي يشكل عامل الدين وحجم الإنجاز أهم ركائزها.
3- الثقافة المدنية التي يتميز بها الأتراك، التي تعززت بعد نجاح أردوغان بتحييد الجيش عن الحياة السياسية التي تقوم على تحكيم الديمقراطية في حسم الخلافات السياسية.
4- طابع التديّن الذي يتميز به المجتمع التركي.
5- الرد القوي من قبل تركيا على تدخل دولة الإمارات في شؤونها الداخلية وتلويح الإعلام التركي بنشر صور لقيادات أمنية في أوضاع مخلة بالآداب.
ما ينفي هذا السيناريو:
1- من يدعم سيناريو إسقاط أردوغان يتكون من تحالف دولي، وبتمويل من قبل بعض الشركات التركية الكبرى مثل مجموعة كوتش، ويستثمره حزب الشعب الجمهوري، وينفذه على الأرض جماعة فتح الله غولن.
2- نجاح الانقلاب بمصر قد يسهم في تغيير نمط تفكير قادة الجيش، وأن تعود سيناريوهات الانقلابات العسكرية لتركيا ولكن بمطلب شعبي.
3- تورّط بعض أبناء الوزراء بقضايا فساد سيضعف شعبية أردوغان وحزبه.
4- رغبة بعض الأطراف الإقليمية بدرجات مختلفة (وتحديداً سوريا ومصر وإيران والعراق) في إسقاط أردوغان، قد يمنح المعارضة دعماً لوجستياً من هذه الأطراف، وقد يظهر ذلك في ضوء نتائج الانتخابات المقبلة.
2- سيناريو سقوط أردوغان
تشكل نجاحات تركيا في المجالات الصناعية والتكنولوجية تحدياً للدول الصناعية الكبرى، وبذلك قد تعمل تلك الدول بالسر أو العلن على إضعاف تركيا، والوصفة السحرية المتداولة في منطقة الشرق الأوسط تستند إلى استراتيجية الفوضى الخلاقة، وبذلك قد تعمل تلك الدول على إثارة القلاقل في تركيا  وصولاً إلى تحقيق هدف انهيار تركيا ومؤسساتها واقتصادها، وهذا بالتأكيد سيسقط منهج أردوغان الناجح في إدارة الحكم، وحينها سيسقط أردوغان كشخص وكمنهج وكحزب عن سدة الحكم.
ما يؤكد هذا السيناريو:
1- موقف تركيا من (إسرائيل)، واعترافها بحركة حماس وبالمقاومة المشروعة للشعب الفلسطيني.
2- التطور والتقدم التركي في المجالات الصناعية والاقتصادية والتكنولوجية وهو ما يشكل منافسة للدول الكبرى في الأسواق العالمية.
3- الدور التركي المتزايد إقليمياً ودولياً، وخروج تركيا من دائرة التبعية قد يدفع بالعديد من الدول للعمل على إسقاط أردوغان من خلال الفوضى الخلاقة أو الانقلابات العسكرية، أو السقوط من بوابة الانتخابات الديمقراطية.
ما ينفي هذا السيناريو:
1- الحاضنة الشعبية لحزب العدالة والتنمية.
2- النجاح الاقتصادي لأردوغان قد يشكل عقبة أمام تحريك الشارع ضده.
3- سيناريو إنهاك تركيا الدولة.
في حال فشل المخططات بإسقاط أردوغان عن سدة الحكم، فإن سيناريو إنهاك تركيا سيكون خياراً بديلاً لهم، ويتم ذلك عبر الضغط الإعلامي، والاعتصامات المفتوحة، وربما بعض العمليات الإرهابية التي تستهدف مؤسسات الدولة وتنطلق من سوريا أو العراق أو غيرها، أو أن يعمل أحد الأطراف على إثارة الفتنة بين مكونات المجتمع التركي.
بصرف النظر عن كل ما سبق، تبقى الانتخابات البلدية هي المحطة الأولى لنجاح أردوغان أو فشله.