بسم الله الرحمن الرحیم إنَّ الْحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ أصلي وأسلم علی عباد الله الصالحین وأهنئ وأبارک عقد المؤتمر الخامس للجماعة حیث تزامن مع أیام مولد النبي الرحمة. تحیتي لجمیع الرواد والنشطاء الذین قاموا بزرع شتلة الجماعة بإخلاص ومثابرة وأدوا دورهم في عملیة تأسیس واستقرار الجماعة وتوسیع رقعتها وتحملوا کل الشدائد والمعاناة؛ مجموعة من الإخوة الأعزة الذین لیسوا ببینا الآن ورجعوا إلی ربهم جزاهم الله عنا خیر الجزاء. المؤتمر الخامس لجماعة الدعوة والإصلاح یقام في ظروف أصبح من الصعب الولاء لمتطلبات العمل على مدار العقلانية والاعتدال والتسامح واتخاذ إجراءات أکثر فعالة ودائمه نتیجة غلبة التطرف والراديكالية من قِبل المجموعات المختلفة.

وفي المستوی الدولي صار الإنصاف والطروحات الأخلاقية ضحیة الصفقات والمصالح الطغاة والمستبدين وأن آليات النظام العالمي والقانون الدولي انحطت إلی لعبة بأیدي عدد قلیل من الفاعلین. وفي منظور عام أن القضایا العالمیة لیست لها علاقة مع "يوتوبيا" أفلاطون ولا مع "المدینة الفاضلة" لأبي النصر الفارابي ولا تتناسب مع القيم الجديدة للديمقراطية بل الحفاظ علی السطة وبسطها بأي شکل وبأي ثمن واستبعاد الآخرین وتهمیشهم بأي آلیة تتصدر أولویات القوی المستبدة. وفي مثل هذه الظروف إن المنطقة تتبع الوضع العالمي المذکور أعلاه بل أسوأ بکثیر بسبب تعقیدات الخطاب بین العناصر المحلیة ولعب الجهات الفاعلة العالمیة. تفاقمت التوترات علی أساس الهویة وفي کثیر من الأحیان اللاإنسانیة ولا مکانة للعزة والکرامة حتی حق التمتع بالحیاة البشریة.

إرادة أحدی القوی العالمیة أو توافقها العلنیة والسریة تودي بحیاة آلاف من البشر وتشرد ملایین منهم وتقتل أطفالا من المفترض أن یبنوا مستقبل هذا العالم. وفي هذا الوضع المأساوي إن ما يعرف باسم "الصحوة الإسلامية" رغم خدماتها الجیدة والقیمة في مختلف المجالات تعاني من مشاکل والتعقیدات الخطابیة والمعرفیة من جهة وصعوبات العمل الاجتماعي والسياسي من جهة أخری في أنحاء منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي. الاجتیاز لمشکلة مفهومي الأمة والدولة – الملة یتطلب إعادة قراءة أولویة أي منهما وتبیینهما وبما أن رسالة الصحوة الإسلامیة تتمثل في الإحیاء والتجدید، فإن الإلحاح علی الأشکال السابقة وعدم الاستعداد للتفكير في تقدیم خطة جدیدة لا تتناسب مع خلود الرسالة العالمیة ومسؤولیة حرکة إسلامیة.

إذا کان هذا الدین عالمیا وخالدا فمن الضروري إعادة التفکیر المستمر في مستویاتها الثقافیة والجغرافیة وإلا تبقی رسالة الدین کما هي وتفقد فاعلیتها للحیاة المعاصرة وللإجابة لمتطلبات الیوم ویواجه أتباعه في أعصار وأمصار مختلفة تحدیات مرهقة ولا نهایة؛ بالطبع في هذه الحالة نری بعض التجارب الناجحة في عدد من الدول الإسلامیة وهي جدیرة بالثناء. وفي الوضع الحالي نری مسافة بعیدة بین بلادنا والحالة المنشودة ورغم بعض النجاحات في شتی المجالات ومواصلة الجهود لاحتواء والسيطرة علی العقوبات المنهكة ومشروع الضغط الأقصى من الخارج، إن أسلوب إدارة السوء في بعض الأحیان إلی جانب سطوات جائرة من الخزائن شوهت ثقة المواطنین وجعلت الحیاة الملیئة بالعزة والکرمة صعبا لمعظم المواطنین وما جلبت للشعب غیر الاستياء والتعصب والاحتجاج.

وفي هذه الأثناء إن سعة المجتمع المستهدف لجماعة الدعوة والإصلاح في محافظات ذات المیزات الثقافیة والدینیة المختلفة تضاعف الحاجة إلى الوعي الجماعي وتکشف أهمیة الفهم الصحيح لمتطلبات "الوقت" و"البيئة" أکثر من ذي قبل. إن الجماعة في تأریخ أدائها خاصة في مستویات الثقافیة والاجتماعیة والخیریة معتمدة علی نصر الله لقد حققت إنجازات قیمة لا تندرج في هذا الموجز وستم إعلانها للأعضاء والأتباع إن شاء الله. لا شک أن ذکر الإنجازات لا یعني عدم الانتباه لأوجه القصور وأن التحديث المستمر والواقعي لنقاط الضعف ونقاط القوة والفرص والتهدیدات من لوازم الحیویة والحرکة في طریق التنمیة.

من هنا وبالنیابة عن أعضاء الدورة الرابعة للمجلس المرکزي ألفت انتباه أعضاء الکرام للمؤتمر وعامة أعضاء الجماعة وأتباعها إلی النقاط التالیة:

1- الإیمان والأخوة ذراعا النضال والتکافح لکل منا کالفرد ولمنظمتنا کالجمع؛ وهذان العنصران في نشاطنا الثقافي الذی یتم علی أساس الالتزام بالتعالیم الإسلامیة یتمثلان کأداة عمل ویسهلان تحمل عبء المسؤولیة. الحفاظ علی الأخوة والثقة والألفة واجب شرعي ومسؤولیة أخلاقیة وإلزام تنظیمي لجماعتنا واستمرار التعاون والتعاطف هي الثمرة المبارکة للشجرة الطیبیة المتأصلة من الأخوة الإیمانیة.

2- الفرد الصالح علاوة علی التمتع بنعمة توفیق الهدایة والعیش في مدار صحیح یکون مهما لمجتمعه وبیئته؛ أساسا أن إحدی الفلسفات الوجودية لحركتنا الجماعية هي تقديم الخدمة الأمثل للمجتمع والملائم مع الطاقة والظروف والإمکانیات ؛ لذلک یجب علی الأعضاء الکرام أن یعززوا فرص الحضور الجماعي ویؤدوا دورهم مناسبا للوضع وبطریق أمثل.

3- الاعتقاد بمبدإ التسامح وقبول الآخر هو اعتقاد أساسي وغیر قابل للنقاش وأن توسيع وتعميق العلاقات والحوار مع الفرق والأحزاب والتیارات والشخصیات التي تسعی في طریق الخدمة وتشریک المساعي معهم یجب أن یتم علی أساس التسامح وبناء على الحد الأدنى من الاشتراكات.

4- إنجازات الجماعة تتم في ضوء تآزر القدرات الفردية للأعضاء کمال یقول نظامي الشاعر: البحر الشاسع یتکون من قطرات المیاه التي تجري في الأنهار والجبل الشامح یتکون من حبيبات التربة بناء علی هذا یحتم علی القطاعات ذات الصلة في بنیة الجماعة الاهتمام بتمکین الأعضاء وعلی الأعضاء أن یسعوا باستمرار لتحسین قدراتهم.

5- أوجه القصور والاختناقات والصعوبات هي جزء لا یتجزأ من الأعمال الخالدة والحفاظ على روح الثقة والأمل هو القوة الدافعة وراء كل الشدائد ولا ننسی أن مع العسر یسرا.

6- على الرغم من أنه من الصعب التمييز بدقة بين مجالات العمل ولکن التجربة تقول إن الاهتمام بالمجال الثقافي والاجتماعي یتلائم مع طبیعة أفکارنا وهوینا الجمعیة وهو أکثر کفاءة.

7- الاهتمام بالمعنویة لا ینبغي أن یکون على حساب الابتعاد عن حقائق البیئة الملموسة والموضوعیة؛ من المتوقع أن یجمع أعضاء الجماعة بین الإیمان والبراعة السیاسیة والتعاطف الاجتماعي والتطور الثقافي.

8- لنلاحظ أن الجماعة بسبب مجموعة من الأنشطة وحجم الإنجازات لفتت انتباه المراقبین الخارجیین بمقاربات مختلفة ومن المتوقع أن یهتم عضو الجماعة في أقواله وأدائه بحیویة الجماعة وخلق فرص جدیدة.