ربما كان من المبكر جدا ما كتبه الدكتور عماد الدين خليل مع بواكير الصحوة الإسلامية في بدايات ثمانينات القرن الماضي حول إعادة تشكيل العقل المسلم و تخليصه من ركام و تراكمات عصور من الجهل و العادات و الانهزامية كخطوة أساسية و مبدئية في التأسيس لأي مشروع نهضوي و حضاري يعيد الأمة إلى ركب الإنسانية و يخلصها من عباءة التبعية و الاستبداد ففي وقتها كنا ما زلنا نجتر مجد الماضي و نتحسر عليه إلى أن جاءت الانتفاضات و الثورات التي استردت بها الشعوب دورها و آمنت بقدراتها بمعزل عن الحكومات و الأنظمة التي لا تمثلها بل و تبقيها رهينة التبعية للغرب

و إذا كان التيه قد فرض عقابا لبني إسرائيل حتى تتغير الأجيال كذلك و يُستبدل جيل العصيان و الركون بجيل الإيمان و العمل فقد مر العرب و المسلمون بتيه طويل لم تخرجهم منه أحداث جسام من فقد الأرض و المقدسات و الشتات و الفرقة و الحروب البينية ذلك أن التغيير لا يتم بقفزة في الظلام و لا هو بصلاح نيات بعضهم و إنما هي أطوار لا بد أن تعيشها الأمم و تتنقل فيما بينها بعلو أو سفول بحسب أحوالها و همتها و لقد ظل الخط البياني للأمة الإسلامية في تراجع و انهيار حتى بلغ الحضيض و كان مرشحا لمزيد من التردي لولا تغير الأقدار بعمل ثلة مخلصة ما زالت تتأرجح بين نصر و هزيمة و إنجاز و تخبط و لكنها بدأت تستعيد القدرة ذهنيا و روحيا و ماديا لتشحن المارد الذي طال سباته.

يغدو المثال ملموسا في فلسطين هذه الأيام تحديدا حيث نعاين تباينا في المفاهيم و الممارسات بين جيل الآباء و الأبناء ففي الوقت الذي نشأ كثير من أجيال النكبة و النكسة على السلبية و الخوف و انتظار تغيير الأقدار بيد الغير  جاء جيل خلع ثوب الهزيمة و الانكسار و لغة الضحية ليأخذ زمام المبادرة بالرغم من معرفته أن الظروف المادية كلها ضده إلا أن يقينه بالله و بعمل يديه جعله يقلب الطاولة على رؤوس المشككين من الأقارب و الأعداء فآمن من لم يكن يؤمن أن الضعيف لا يظل ضعيفا إلا بإرادته و أن الضحية يمكن أن تثأر من الجلاد و تقف بوجهه.

قليلة هي صفحات التاريخ التي تسجل تفوق العرب و المسلمين في العدد و العدة بل إن أول معركة تفوقوا فيها في العدد كادت لتنقلب هزيمة لولا الاستدراك و الدعم النوعي للثلة الصابرة، معركة المادة لن تحسم لصالحنا الآن و لكن في التقييم العام لمعركة تكاملية تسعى لاستكمال عناصر الروح و العقل و أخيرا المادة بدأنا نسجل تفوقا ملحوظا و أهدافا في قلب المرمى و اختراقا لشباك الخصم

هذه الأحداث على شدتها و ارتفاع كلفتها البشرية لهي الزمن الأنسب لإعادة تشكيل العقل المسلم لينفي خبث ما علق به من أدران سنوات التيه و الهزيمة و الموفق من أعاد حساباته و الزمان قد استدار لنصرة الحق فالنصر رافعة تستنقذ كل من به حيل للنهوض، ألم تروا أن الأمة بمجرد الأمل بإمكانية الفعل و الرد تسترد شيئا من عافيتها و تلملم شتاتها لتعود و تتوحد و تنصر حلما و مشروعا ظنته مستحيلا؟!

هذا زمن الرد بأقوى الإيمان و ليس بأضعفه هذا زمان السعي لاستكمال عناصر التفوق المادي هذا زمان إعادة تقديم الصورة و الرسالة بحسب المتلقي فهناك متلق لا يفهم و لا تنفع معه إلا لغة الاستعلاء و القوة و آخر لا ينفعه إلا خفض الجناح و الرحمة و آخرون يجب أن نتعلم الوقوف بجانبهم كتفا بكتف للتعاون فيما نتفق عليه لمصلحة البشرية .

يملك هذا الجيل مقومات التغيير و قد تسعفه المتغيرات في العالم على أن لا يكون هذا التغيير سطحيا و وقتيا بل ثابتا على أرض صلبة .

علمتنا الأحداث كذلك بالتجربة العملية أن الإرادة و التصميم تنجز مع قلة الإمكانيات و أن نملك قوة الأمل فلا يفيد أن نلعن الظلام و لكن محاولة إشعال شمعة ستؤتي أكلها و لو بعد حين .