قال د. علي محيي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين إن المتدبر في القرآن الكريم يجد أنه أولى عناية قصوى بأن يكون الإنسان المؤمن رشيدا في حياته، رشيدا في تعامله مع الناس، ورشيدا في تصرفاته، وأحكامه، وفي سياسته، وفي إدارته لأمواله واقتصاده. وفي حديث الى موقعنا أكد أنه إذا كانت العصر الحديث يركز على الحكم الرشيد، وعلى السياسة الرشيدة في الاقتصاد وفي إدارة الحكم، فإن القرآن الكريم قد سبق إلى ذلك بقرون في دعوة هذه الأمة إلى أن تكون أمة رشيدة بكل ما تعني هذه الكلمة، وأن تكون رشيدة، في سياساتها وتصرفاتها مع النفس والأسره والدين والأقارب والجيران بل مع جميع الخلق. وأضاف: لأهمية الرشد في الإسلام، وفي القرآن الكريم، وعند الله سبحانه وتعالى، فقد كان الأنبياء يتضرعون إلى الله سبحانه وتعالى أن يلهمهم الرشد، كما بين الله ذلك حينما يقول "وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيم رُشْده مِنْ قَبْل" ، فقد آتى الله خليله وحبيبه وسيد الأنبياء و قدوة الأنبياء بل قدوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم سيدنا إبراهيم، الرشد بعدما تضرع إلى الله سبحانه وتعالى، ودعا في الليل والنهار، وكان من نتيجة رشده أنه تعامل مع قومه وهم كفرة بمنتهى الحكمة والرشد، وتعامل بالرشد حينما ذهب الى مصر، وتعامل برشد ايضا حينما وضع ابنه اسماعيل عليه السلام في مكة المكرمة بواد غير ذي زرع، حتى يكون في هذه المنطقة - الجزيرة العربية - التي اختارها الله سبحانه وتعالى ليكون منها النبي الذي يكون خاتم الأنبياء عليه وعليهم الصلاة والسلام. الرشد عند الأنبياء وأضاف فضيلته قائلا: بل لأهمية الرشد عند الأنبياء، أن سيدنا موسى وهو من أولى العزم الخمسة الكبار بين الأنبياء والرسل، قَبِل أن يكون تلميذا وطالب علم لدى رجل لم يكن يعرفه، حتى يعلمه الرشد، كما قال سبحانه وتعالى في سورة الكهف (هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا)، فتعلم موسى من هذا الرجل الصالح -الذي ذكر في بعض الآثار أنه سيدنا خضر- شيئاً عظيما جدا، وهو أن الله سبحانه وتعالى يعمل بما فيه خير لعباده الذين يؤمن به، والذين يحبونه ويعتمدون عليه ويتوكلون عليه، وحسب سننه لا واجبا عليه بل من لطفه ورحمته، وأنه يتعامل مع المؤمنين الصادقين بما فيه خيرهم، ولكنهم قد لا يعلمون خيره، فالله هو الذي يعلم الغيب، ولو اطلع الإنسان على الغيب لما اختار إلا ما اختار الله سبحانه وتعالى له، لأنه حسبه وهو وكيله. معنى الوكيل وقد سُئل سيدنا الحسين عن معنى الوكيل في قوله سبحانه وتعالى (حسبنا الله ونعم الوكيل) فقال: الوكيل أن الله خلقك قبل أن تسجد له بهذا الجمال والقوة، فكيف لا يكون مشفقاً بك ورحيماً بك ويعمل لك ما فيه الخير حينما تسجد لله سبحانه وتعالى، فهو أحسن إليك قبل أن تسجد له، فكيف يكون تعامله معك وأنت تسجد لله تعالى وكيف لا يكون نعم الوكيل وكيف لا يكون هو اللطيف الخبير.. والأمور الثلاثة التي رأها سيدنا موسى رؤي العين في عالم الغيب، كشفه الله سبحانه وتعالى له، وتبين أنه الخير، فهؤلاء الذين جمعوا تحويشة العمر لصناعة سفينة وحينما جاء سيدنا خضر وعيّب هذه السفينة، كم تألموا، ولا ندري كم دعوا على الرجل الصالح، ولما ذهبوا إلى الطرف الآخر وجدوا أنه لو كانت سفينتهم سليمة لأخذت واغتصبت، فكم شكروا الله على هذا العيب، وكم تحولت النقمة إلى النعمة.