مفهوم الشخصية من منظور الإسلام: بناءً علی ما سبق يمكن تعريف الشخصية من وجهة النظرة الإسلام: بأنها مجموع صفات الفرد؛ الجسمية والعقلية والنفسية والدينية والروحية والخلقية والاجتماعية والعلمية كما تشمل جميع قدراته واستعداداته وميوله إلى جانب ذكائه العام. على أن هذه القدرات وتلك السمات لا توجد مستقل الواحد منها عن الآخر، بل توجد في الشخصية بصورة موحدة متكاملة متفاعلة، أي يؤثر بعضها في بعض. أو "هي مجموعة الصفات الاعتقادية والروحية والأخلاقية والاجتماعية والإرادية والصحية والعقلية والعلمية والإبداعية وذلك حسب تصور الإسلام لهذه الجوانب"2 وهى صفات الإنسان الصالح. وبذلک نجد لکل فرد شخصية المتميزة عن غيره من الناس. ولكن هناك طابعاً عاماً لبناء ثقافة معينة أو حضارة معينة. ذلك لأن العوامل الثقافية والحضارية تطبع شخصياتها بطابع معين تمتاز به عن أبناء الحضارات الأخرى. والثقافة الإسلامية وما تحتويه من المبادئ التربوية والقيم الخلقية والحياة الروحية تطبع شخصية المسلم بطابع خاص فريد في بابه3. تقوم بُنية الشخصية على وجود ثلاث حالات متفاعلة للنفس هي: النفس الأماره والنفس اللوامة والنفس المطمئنة، والشخصية السوية في نظر الإسلام أي شخصية المسلم هي التي تتمثل في معظم حالاتها منهج النفس المطمئنة. وهذه النفس المطمئنة هي التي ينبغي أن يعتبرها الباحث المسلم معياراً للصحة النفسية والأطمينان يتحقق بالرضا والإرضاء. 4 مفهوم السواء و اللاسواء من وجهة نظر الإسلام: يری محمد قطب إن الله لم يكتب على الإنسان صورة واحدة من السواء، بحيث تحتاج البشرية إلى الانحراف والشذوذ لتعدِّد أنماطها وتُثرى حياتها! بل بسط نعمته كاملة .. فجعل السواء أنماطا متعددة، كلها سوىّ، ومع ذلك لا يتماثل سواء وسواء، ولا شخص سوي وشخص سوي. بل يظل كل إنسان سوىِّ عالما وحده يلتقى بغيره من العوالم على سواء وعلى اختلاف في ذات الوقت، في البنية النفسية وطريقة التصرف وطريقة الإحساس. أن السواء الكامل نادر الوجود .. ولا بد من انحرافه ولو بسيطة. ويضيف أيضاً أن هناك في عالم النفوس. دائرة من الإنحرافات البسيطة نقصاً. وزيادة لا تحسب في عالم الإنحراف وإنما تحسب في عالم الإستواء، ما دامت لا تشوّه النفس ولا تفسد دورة الحياة فيها .. و ما دام لا يمكن أن تخلو منها نفس من النّفوس. وإنما يدخل الأمر دائرة الإنحراف حين يزيد الإختلال عن حده البسيط. وليست هناك بطبيعة الحال خطوط حاسمة للسواء والإنحراف في عالم النفوس، كما لا توجد خطوط حاسمة للصحة والمرض في عالم الأجسام. ولكن هناك أموراً معينة يكون من المؤكد أنها داخلة في دائرة الإنحراف، وأمور أخرى داخلة في دائرة الاستواء. وبينهما متشابهات، قد تحسب هنا مرة ومرة هناك5. معايير السواء في الإسلام: إن الشخصية السوية لدی علماء النفس هي شخصية مادية تخضع لمعايير المجتمع وقيمه، حيث تختلف الشخصية السوية من مجتمع إلى آخر ومن حضارة إلى أخرى. فكل مجتمع له قيمه ومعاييره الخاصة بها. فبهذا المعنی أن السوية في مجتمع قد تكون غير سوية في مجتمع آخر. لذلک أن سبب عدم إتفاق علماء النفس الحديث على معيار موحد للسواء والإنحراف والصحة النفسية والمرض النفسي يعود إلی عدم وجود معيار مستقل عن المجتمع يُرجع إليه في تحديد ذلك كله من جهة وإلی جانب ذلک أنه «لا تقدم نظريات السلوك والشخصية وعلم النفس المرضي أية وسيلة منطقية أو منظمة لتحديد طبيعة سوء التوافق. إن تحديد السلوك الذي يمكن أن نطلق عليه سلوكاً لا توافُقياً، وكذلك تحديد الأفراد الذي يمكن أن نطلق عليهم أفراداً غير متوافقين يعتمد أساساً على أحكام القيم النهائية للحسن والقبيح. وكل سيكولوجي إكلينيكي يجب أن يحدد هذا الحكم القيمي لنفسه.6 ومن أهم المعايير المعتبرة - کما يرها النعنيشي،2003 - لمعرفة السواء والإنحراف في المنهج الإسلامي، وفق التصور الإسلامي بمايأتى7: أولاً: مدى انسجام السلوك مع الطبع الإنساني ومع الفطرة التي فطر الله النفس عليها: فالإنسان مفطور مطبوع على أشياء كثيرة، خلق بها وبني عليها؛ فهي من جبلته، مألوفة له، محبوبة عنده، نابعة من كيانه. وكلما وافق الإنسان فطرته وطبعه كان مستقراً مطمئناً، وكلما صادمها أو خرج عليها صار مضطرباً متردداً. والخروج عن الأشياء المطبوع عليها الإنسان – لاشك – هو عين الشذوذ. فالإنسان مفطور على حب الحياة، والتعلق بها، وهذا ظاهر على سلوك الإنسان منذ طفولته، فهو يخاف من الهلاك ويتشبث بالحياة. كما أن التفريط بالنفس، والأداء بها إلى التهلكة، وظاهرة الانتحار تعدّ سلوكات شاذة تدل على انحراف من يفعلها وخروجه على الطبع والفطرة. ثانياً: مدى انسجام السلوك مع الشرع الإلهي: فالشرع الذي ارتضاه الله لعباده فيه صلاحهم وسلامتهم، وفيه سواءهم واستقامتهم، ولهذا سمى الشرع صراطاً مستقيماً، قال تعالى: "وَأَنَّ هذا صِراطي مُسْتَقيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبيلِهِ"8. والشرع دائماً موافق للفطرة والطبع، ولايمكن أن يخالفهما و إن ظهر للناس ذلك أحياناً بسبب ألفتهم لأشياء وتعودهم عليها. والشرع الذي قام على التوحيد، وفصّله الكتاب و السنة هو عين الفطرة، وبهذا يتطابق المعياران الفطرة و الشرع؛ فيصدِّق بعضها بعضاً؛ مما يزيد الإنسان نوراً و فرقاناً. وبمعيار الشرع يحصل الإنسان على قانون مفصل لكيفية السير في حياته؛ فلا يحار، ولاتلتبس عليه الأمور فيما يأتى أو يدع، وبالشرع يتعرف الإنسان على مدى بعده أو قربه من السواء، أي أنه يستطيع أن يقوِّم نفسه و مجتمعه، ثم يعدّل في ضوء ذلك ليصل إلى درجة عالية من الصحة النفسية والنضج والاستواء في شخصيته. ثالثاً: مدى انسجام السلوك مع الغاية النهائية للإنسان: ليكون السلوك الإنسانى في غاية سوائه لابد أن يكون منسجماً مع غايته النهائية – التي يلزم أن يحددها له خالقه – وهي العبودية، قال تعالى: "وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ اْلإِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ"9. فالغاية من خلق الإنسان هي عبادة الخالق سبحانه بتوحيده والخضوع له وطاعته، ويؤدي هذا لنيل الإنسان رضاالله وجنته، والنجاة من غضبه و عذابه، وهذه غاية الغايات ومنتهى الإرادات. والشخصية التي تعد تراكماً للسلوكيات التي يمارسها الإنسان تتأثر بذلك؛ فإذا اقتربت من غايتها النهائية، ووجهت حركتها و نشاطها لخدمة تلك الغاية، أو بما لايناقض تلك الغاية؛ فإنها تستقر و تستوى، بل إنها تنسجم و تتوحد بدلاً من أن نتشتت. فعن زيد بن ثابت رضى الله عنه قال: سمعت رسول الله صلی عليه وسلم يقول: «من كانت الدنيا همّه، فرق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن كانت الآخرة نيته، جمع الله له أمره، وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة».10 ولاشك أن هذا المعيار يعد من أدق المعايير السلوكية، ومن أفضل المحكات في بناء الشخصية، وتقويمها، وقياس سوائها وشذوذها، فوفق المنهج الإسلامي، لاتُسوَّى شخصية المعاند المفرط الطاغي بشخصية المطيع المنقاد المتواضع، ولاشخصية التائه المسوِّف العربيد بشخصية العارف الحازم الملتزم . المعيار الأساسي للتمييز بين السلوک السواء والشذوذ من وجهة نظر علماءالنفس المسلمين: أما بشکل عام أن المعيار الأساسي التي نستطيع أن نعتمد عليها في التمييز بين السلوک السواء والشذوذ (من وجهة نظر علماءالنفس المسلمين) هي أفعال الإنسان التي يقسم إلى نوعين : 1- أفعال حسنة: هي أفعال حسّنها الشرع،ويقبلها العقل بطبعه ،لأنها طيبات فيها جلب منفعة أو دفع ضرر. وقد تعظم المنفعة فيأمر الله بها على سبيل الوجوب أوالندب.11 وقد أقام الأفعال الحسنة على قواعد تناسب فطرة الإنسان الخيِّرة ويدركها العقل السليم لأنها طيبات فيها مصلحة الفرد وخير الجماعة، واتخذها معياراً للسلوك السوي، وهي كل ما أمر الله به وذلك مثل: إخراج الصدقات للفقراء، وصلة الرحم، وبرّالوالدين، والحض على العمل، والحرص على الأمانة، والعطف على اليتيم، والجهاد في سبيل الله، والصلاة والصوم وغير ذلك.12 2- أما الأفعال السيئة: فقد قبحها الشرع وينفر منها العقل بطبعه،لأنها خبائث ،فيها جلب مفسدة، أو دفع منفعة وقد تعظم مفسدتها،فينهى الله عنها على سبيل التحريم أو الكراهة.13 الأفعال السيئة هي إتيان المحرّمات التي أمر الله باجتنابها لأنها السلوك المنحرف بذاته، بسببٍ من أنها تجلب الشرّ للفرد وللمجتمع، وذلك مثل: القتل والزنا والسرقة وشرب الخمر وشهادة الزور والربا والتواطؤ مع أعداء البلاد والعزوف عن الزواج وإيذاء الجار والبخل والتقتير وظلم النفس وظلم الآخرين وغير ذلك.14 وينظر الإسلام إلى الأفعال من ناحيتي الظاهر والباطن،فظاهرها هومانراه ونلمسه في سلوك الناس ،وتحكم عليه بالحسن أوالقبح في ضوءما حسَّنه الشرع أوقبحه. إماباطن الفعل فيرتبط بنية الفاعل من فعله،وهو وحده الذي يعرفها، ويستطيع الحكم عليها بالحُسن أو القبح بحسب حكم الشرع في النوايا من الأفعال. فالنية الحسنة في عمل الحلال ابتغاء مرضاة الناس لامرضاة الله ،وعدم فعل الحرام أو المكروه ،خوفا من سخط الله لا خوفا من سخط الناس. والنية السيئة في عمل الحرام أوالمكروه ،وفي الامتناع عن عملهما خوفا من سخط الناس لا خوفاً من سخط الله، وفي عمل الحلال إبتغاء مرضاة الناس لا إبتغاء مرضاة الله.فالنية السيئة تُقَبّح العمل الحسن في ظاهره وتفسده ،وتجعله سيئاً. ومن الناحية الشرعية لايستطيع أحد الحكم على بواطن أفعال غيره، وعليه أن يترك أمرها لله سبحانه، فهو الذي يحاسب عليها.15 وعلى هذا فإن السلوك السوي في المعيار الإسلامي هو عمل الواجب أو المندوب أو المباح ابتغاء مرضاة الله. أو هو اجتناب عمل المحرمات أو المكروهات خوفاً من سخط الله. أما السلوك المنحرف فهو الذي فيه تعد على حدود الله يفعل المحرمات أوالمكروهات ،كالقتل والزنا والسرقة،وشرب الخمر،وشهادة الزور و الربا وغيرها، أو إضاعة الوقت أو العزوف عن الزواج ،أو عدم صلة الرحم وغيرها. أو فيه عمل الواجبات مع فساد النوايا في عملها مثل الصلاة لكي يقال عابد، أو إخراج الصدقة لكي يقال جواد وغيرها. أو فيه مبالغة في إشباع حاجات الروح وتفريط في حاجات الجسم،أو مبالغة في إشباع حاجات الجسم، وتفريط في حاجات الروح.16 فلذلک يمتاز المعيار الإسلامي بعدة مميزات تجعله متفوقا على ما عداه من المعايير الوضعية، من أهم هذه المميزات ما يأتي: أ) قيامه على قواعد تناسب فطرة الإنسان الخيرة، ويدركها عقله السليم: فقد ربط المعيار الإسلامى السلوك السوي بالفعل الحسن ،والسلوك المنحرف بالفعل السيء أو القبيح، وجعل حُسن الفعل أو قُبحه مرهونين بحكم الله فيه،لا بهوی الفرد أو رضا الجماعة. فالحسن ما حسنه الله، والقبح ما قبحه الله. والله سبحانه لايحسن إلا الطيبات التي يقبلها العقل، ويدرك حسنها، ففيها مصلحة الفرد وخير الجماعة. ولم يقبح الإ الخبائث، التى ينفر منها العقل،ويدرك سوءها، ففيها ضرر الفرد، ومفسدة الجماعة. ب) تقديمه قواعد للسلوك ثانية لا تختلف باختلاف الزمان أو المكان ،موضوعية لا تتأثر بتغير الأفراد أو المجتمعات: فقد فصل الإسلام بين تشريع قواعد السلوك والعمل بها، وجعل تشريع الحلال والحرام من سلطة الله وحده، الذي حدد ألافعال الحسنة لکي يدرك حكم الشرع، فيعمل الحلال ويبتعد عن الحرام كما بينهما الله. ج) جَمَعَ مميزات المعايير الذاتية والاجتماعية والإحصائية، وخلصها من الهوى والتعصب الفاسدة والتحيز والمرض، التى قد تصيب الفرد والجماعة: فقد جعل الإسلام الفرد المسلم حكماً على سلوكياته الإرادية،ظاهرها وباطنها. لأنه هو الذي يختارها فكل إنسان يختار الأفعال التي يطمئن إلى حسنها،ويبتعد عن الأفعال التي لا يطمئن إلى حسنها وإن أفتاه الناس. ولم يترك الإسلام الفرد يشرع لنفسه حسب هواه،بل أمده بقواعد من عند الله يرجع إليها في أحكامه على سلوكه وسلوك غيره،بما يجعل أحكامه الذاتية على السلوك بالسواء أو الإنحراف أحكاماً موضوعية ثابتة ،تتفق مع أحكام غيره،لأن مرجعها واحد،ومنهجها استنباطي مضبوط بشرع الله. وجعل الإسلام التقبل الاجتماعي محكاً للسلوك، فالسلوك السوي هو الذي يتفق مع قيم المجتمع الإسلامي وعاداته وتقاليده وأعرافه، ويرضى عنه الناس ويقبلوه. والسلوك المنحرف هو الذي فيه تعد على المجتمع ،ويثير سخط الناس ونفورهم. ولم يترك الإسلام المجتع يشرع لنفسه الحلال والحرام، أو يحسن الأفعال ويقبحها حسب ما يرضى الناس، بل ضبط قيم المجتمع التي لم يرد نهي عنها. أما إذا انحرف المجتمع، وأجمع الناس فيه على ضلالة، واعتادوا المعاصى، فلا سمع ولا طاعة ولا خضوع، لأن التوافق الاجتماعى السوي مشروط في الإسلام باتباع شرع الله. وأخذ المعيار الإسلامي الوسطية الذي يقوم عليه المعيار الإحصائي، وربطه بشرع الله، ولم يربطه بشيوع السلوك عند معظم الناس في المجتمع ،وطبقه على السلوكيات التي حسُن الشرع الوسطية فيها، وقبح طرفيها. فمثلاً الإنفاق يمتد على خط متصل طرفاه التقتير والتبذيل وهما مذمومان، والوسط بينهما ممدوح وهو السلوك السوي المقبول. أما السلوكيات الأخرى فلا ينطبق عليها الوسطية، لأنها ذات اتجاه واحد في الحسن أو القبح. فمثلاً قول الصدق والأمانة والاخلاص والتعاون سلوكيات حسنة ليس فيها وسط، وكذلك الكذب والخيانة والنفاق سلوكيات سيئة ،ليس فيها وسط أيضا.17 الشخصية السوية من وجهة نظر القرآن الكريم: ولقد تناول القرآن الكريم أبعاد الشخصية السوية وغير السوية، بل وتناول مجموعة من العوامل المكونة لكل من السواء وعدم السواء في الشخصية؛ ولكي نحاول أن نفهم شخصية الإنسان من خلال الوصف القرآني الكريم، ونقف على الجوانب الإيجابية والجوانب السلبية. فلابد لنا من أن نحدد قضية أساسية تتعلق بمنهجية الرؤية إلى الإنسان، وأن القرآن الكريم في وصفه للإنسان من حيث أبعاده التى تميز شخصيته، قد وضع منهجاً فريداً ينطبق في كل زمان ومكان، بما يحتويه من أسس و مبادئ، تتضح في العناصر الأتية: أولاً: شمولية النظرة إلى الإنسان يعالج القرآن الكريم موضوع شخصية الإنسان بطريقة شمولية؛ بحيث لا يترك منه شيئاً ولا يغفل عن شيء (جسم – عقل – وروح حياته المعاشية، وتصوراته، وقيمه، ومعنوياته، وكل نشاطه وحركته وتفاعله مع الإنسان الآخر وكل ما يحيطه من المعطيات الحسية). وجدير بالذكر أن الوصف القرآني الكريم للإنسان لم يقتصر على تكامل النظرة إلى الإنسان، وإنما يحذر أولئك الذين يتصورون وهماً أن مذاهبهم أو نظرياتهم، التي تناولت الإنسان من الممكن تصوره جسماً بلا عقل أو روحاً بلا جسم أو عقلاً بلا روح... ثم يوهمون أنفسهم بأن هذا التناول الجزئي للإنسان يجعل تصوراتهم علمية دقيقة، أو يجعلهم يدعون إدعاءاتهم المضللة بأن هذا التناول الجزئي للإنسان بالدراسة، يجعل عوامل الضبط والتحكم في أمور الإنسان أكثر دقة وأكثر منهجية. ومن هنا لابد وأن نرفض كل اتجاه أو عقيدة أو نظام يرى أنه ليس ثمة روح للإنسان أو قيم أو دين، وأن الواقع المادي والمعطيات الحسية هي الحقيقة الوحيدة، أو كما يتشدقون بشعاراتهم الزائفة (حقيقة العالم تنحصر في ماديته) (العالم تحركه المادية الجدلية)، (الإنتاج المادي والتنظيم الاقتصادي هو أساس الحياة البشرية)، (الإنسان غريزة ورغبة لابد و أن تشبع)، وهذه النظرية الجزئية تتعامل مع الإنسان من خلال زاوية ضيقة، تفقده تكامله و تعمل على احتقاره وتؤدي إلى هلاكه. ثانياً: طاقات الإنسان تجعله قوة فاعلة وموجهة هذا التكامل في وصف الشخصية (والذي ورد فى القرآن الكريم) قد جعل الإنسان يمزج بين طاقاته كلها، ويعمل على ربطها بحيث تجعل الموجود البشري بمثابة طاقة متسقة فعالة.. فالإنسان كما يريده الله سبحانه وتعالى قوه فاعلة موجهة ومريدة وهو قوة دافعة إلى الأمام ... قوة تسيطر على القوة المادية، وتحاول بقدر مجاهدتها لهذه القوى المادية أن تهذبها وتصلحها، وتوظفها في التعمير والبناء. يحث القرآن الكريم الإنسان على توظيف طاقاته كلها، ويعمل على ربطها بحيث تجعله طاقة منتجة فعالة. "وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي اْلأَرْضِ جَميعًا مِنْهُ إِنَّ في ذلِكَ َلآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"18. ثالثاً: الابتعاد عن الخصال التى تجعل الإنسان سلبياً ومتخادلاً يحذر القرآن الكريم الإنسان من أن يتصف بالسلوك المتخاذل، الذي يجعله ضعيفاً أمام رغباته السلبية أمام مواجهة دوافعه الغريزية وشهواته المادية، ويصف الله سبحانه وتعالى ضعف الإنسان وتخاذله أمام هذه المغريات، في قوله سبحانه وتعالى: "زُيِّنَ لِلنّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنينَ وَالْقَناطيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَاْلأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ"19. رابعاً: الإنسان يتصرف فى حدود قدراته، ويتطلع إلى المثل الأعلى يصف القرآن الكريم الشخصية السوية في آياته الكريمة، على أساس أنها تعرف حدود طاقاتها وتعرف مطالبها وضرورة إشباعها؛ فيقول الحق سبحانه وتعالى: "لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاّ وُسْعَها"20. ولايحمل الله سبحانه وتعالى الإنسان ما لا يستطيع تحمله أو لا يستطيع الوفاء به، بل يعامل الإنسان معاملة حانية؛ فهو الخالق وهو القادر وهو رب العرش العظيم، فيقول جل جلاله: "يُريدُ اللّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَ خُلِقَ اْلإِنْسانُ ضَعيفًا"21. فالله سبحانه و تعالى يجعل المسئوليات في حدود طاقة الإنسان، ويبعد عنه كل ما من شأنه أن ينوء بكاهله ويعجز عن أدائه: "وَجاهِدُوا فِي اللّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ"22. ومن هنا يكون التكليف في حدود الطاقة الممكنة، دون أن يترك الإنسان لتصوراته الواهمة التي قد تخدعه وتهبط بمستواه إلى الدرجة، التى تجعله يقلل من شأنه، أو يقع في الخطأ عندما يدعى ماليس عنده23. الهوامش: 1- عيسوي ،عبدرحمن: الإسلام و العلاج النفسي الحديث (1986). دار النهضة العربية ،ص 136–135. 2- يالجن ،مقداد: بناء المعالم النظرية التربوية الإسلامية (1991). الرياض: دارعالم الكتب ، ص 68. 3- عيسوي ،عبدرحمن: الإسلام و العلاج النفسي الحديث (1986). دار النهضة العربية ،ص 136. 4- الشناوي، محمد محروس: الإرشاد والعلاج النفسي من منظور إسلامي في: ندوة علم نفس إسلامي (1989). القاهرة: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ص 385. 5- قطب، محمد: دراسات في النفس الإنسانية (1995). القاهرة: دار الشروق،ص 272 – 276. 6- روتر، جوليان: علم النفس الإكلينيكي (1984). ترجمة محمود هنا ومراجعة محمد عثمان النجاتي، مكتبة أصول علم النفس الحديث: دارالشروق، ط2،ص 169. 7- النغيمشي، عبدالعزيز محمد: علم النفس الدعوى :دراسات نفسية تربوية للآباء والدعاة والمربين (2003). الرياض: دار المسلم للنشر والتوزیع، ط2، ص 363 – 359. 8- (الأنعام: 153). 9- (الذاريات:56). 10- القزويني، محمد بن يزيد أبو عبدالله القزويني: سنن ابن ماجه،حديث رقم4105 ، الجزء2، صححه الشيخ الألباني: صحيح. تحقيق: محمد فؤاد عبد .بيروت: دار الفكر ص 1375. 11- مرسي، إبراهيم: المدخل إلى علم الصحة النفسية المرجع السابق، ص 165. 12- مياسا، محمد: الصحة النفسية والأمراض النفسية والعقلية ووقاية وعلاجها ،المرجع السابق، ص 40. 13- مرسي، إبراهيم: المدخل إلى علم الصحة النفسية المرجع السابق، ص 165. 14- مياسا، محمد: الصحة النفسية والأمراض النفسية والعقلية ووقاية وعلاجها ،المرجع السابق، ص 40. 15- مرسي، إبراهيم: المدخل إلى علم الصحة النفسية المرجع السابق، ص 165. 16- مرسي، إبراهيم: المدخل إلى علم الصحة النفسية،المرجع السابق، ص 166. 17- مرسي، إبراهيم: المدخل إلى علم الصحة النفسية،المرجع السابق،ص 169-167. 18- (الجاثية:13). 19- (آل عمران:14). 20- (البقرة : 286). 21- (النساء : 28). 22- (الحج :78). 23- صبحي، سيد: الإنسان وصحته النفسية ،المرجع السابق ،ص 152- 149.
الآراء