بشأن الثورات الشعبیة فی الدول الإسلامیة وخاصة فی تونس ومصر والیمن ولیبیا وسوریا والأردن والعراق والجزایر والمغرب وعمان و... یری المراقبون کما یری کثیر من الناس العادیین أن سیکون هناک شرق أوسط وشمال إفریقیا جدیدین وتطورات دولیة أکثر ومستقبلاً آخر وذلک نظراً للأحداث المتزایدة والسونامی السیاسی الذی یدک قصور المستبدین العنکبوتیة وکل یری ویعاین ذلک حسب رؤیته ومعتقده الخاص من العوامل المؤثرة علی الظواهر الاجتماعیة لهذه النهضة الحدیثة غیرالمنتظرة وظاهرة القرن العجبیة العمیقة.
• یری البعض جذور الثورات الأخیرة فی بطالة الشباب الواسعة وفقر الشعب القاتل الممیت .
• یری آخرون أن سبب الثورات هو یأس النخب وعامة الشعوب من وعود الحکم فی إصلاح القضایا الاقتصادیة والسیاسیة التی لم تتحقق بعد.
• والبعض الآخر یرونه ثمرة الانهزام التام لمدرستی العلمانیة واللیبرالیة فی النیل إلی قلة قلیلة من الحوائج الاقتصادیة والاجتماعیة وحمایة مصالح الشعوب ؛ والمدرستان عملیتا الأجانب.
• کما یری آخرون أنه سبب تکدس عشرات السنین لعجز الدول العربیة والإسلامیة إزاء نهب وسیادة الغرب وجرائم الصهاینة.
• ویرون آخرون أن الثورات برنامج دبّره الغربیون من قبل.
وإن وجد فی کل من هذه الخیارات والأراء جذور ضعیفة من الحقیقة إلا أنه لا یمکن أن تکون واحدة منها هی العامل الأساسی والجذری للثورات.
کثیر من الناس یشهدون منذ سنین أن الغربین یتحدثون عن تأسیس شرق أوسط جدید وتوسعة الدیمقراطیة وحقوق الإنسان ولکن العمل الوحید الذی قاموا به حسب الأسباب والحوافز والأهداف الخاصة عندهم هو احتلال أفغانستان والعراق الأمر الذی أدی إلی قتل عشرات الآلاف من البشر و الدمار الواسع والإتیان بأفسد الحکام والحکومات وأکثرهم طائفیة کما عمّقوا الهوات القومیة والمذهبیة والمحلیة فی کلا البدین وأحیاناً أحدثوا نفس المشاکل فی الدول المجاورة کباکستان.
یبدو أن کل البراهین تدل علی أمر واحد وهو أن الغربیین کانوا یحاولون تنصیب الوجوه المجملة الجدیدة بدل الحکام الحالیین حمایة لمصالحهم وأهدافهم الإستعماریة فی ظل هذه النظم والحکومات الدکتاتوریة فی المنطقة. ولکن کثیراً من الناس یغفلون عن حقیقة مهمة وهی أن الله العلیم القادر له مشیئة أخری وبرنامج آخر وذلک حسب سننه التی لاتتبدل ولاتتغیر ولاتعوّض، لذلک أحبط برامجهم کلها وحیّر . غیّر وضلّل بسننه وبتعزیز قوة الإیمان وقوة مطالبة الحریة لدی الشعوب و أحبط کل محاولات المراکز الدراساتیة والإستراتیجیة لدی الغربیین وعملائهم وکل الانتهازیین الإمعیین.
من جهة أخری علینا أن لاننسی سنة الله فی ابتلائه بالنسبة لجمیع البشر فیضع أمامهم أحیاناً حادثة أو فریسة من مال أو منفعة حتی یُکتب بها کتاب عملهم ویجزوا أو یُجازوا بها.
إن إسقاط حکومة طالبان واحتلال أفغانستان بقطع النظر عن فهمهم الخاص عن الإسلام وأیضاً إسقاط نظام الحکم فی العراق علی الرغم من جرائم البعثیین الحاکمین فی العراق وکیفیة اتخاذ المواقف والتعامل مع ما قام به الغربیون فی احتلال هذین البلدین جعل معتقدات وأهداف وتعالیم کثیر من الفرق والأحزاب والأشخاص فی اختبار صعب وقد نصر وأعزّ کثیرین کما أذلّ آخرین.
وفی خصوص الثورات الشعبیة الأخیرة قد تکونت اتجاهات کثیرة من الدول واتجاهات اسلامیة والوطنیة والسیاسة؛ والخبراء وقعوا جمیعاً فی اختبار صعب أیضاً لأن کل واحد من هؤلاء اضطرّ إلی أن یتخذ موقفا حسب رؤیته الخاصة به. هذا و قد أیدّ ودعم کثیر من الحکومات والأحزاب والأشخاص الحکومات المستبدة التی سقطت أو ستسقط وقد عدّ عدد من مشایخ سوریا والسعودیة القیام أو التظاهرة ضد الحکام بدعة وخلافاً للشرع وکما عدّوا مجابهة «أولی الأمر» فتنة أو إثارة للفتنة.
3- مطالب وغایات الثورات:
إن جمیع الأطیاف المحوریة والمؤثرة علی الثورات المنشترة فی العالم الإسلامی کالاتحاد العالمی لعلماء المسلمین بقیادة الدکتور یوسف القرضاوی والمجلس العالمی للإخوان المسلمین وحرکة الکفایة والمجلس القیادی لشباب الثورة والحرکة الدستوریة فی الأردن لها مطالب واحدة وهی الحریات المدنیة والانتخابات الحرة بمشارکة کل الأطیاف والجماعات الإسلامیة والوطنیة وتداول السلطة حسب القواعد الدیمقراطیة المقبولة واستجابة الحکومات لهذه المطالب المشروعة وإیجاد مجتمع تعددی وشوری بإدارة الصالحین.
و واضح أن هذه الاتجاهات والمطالب والشعارات لیست جدیدة لأنها کانت فی بطون الکتب وفی محاضرات شخصیات أمثال رشید رضا وحسن البنا وعبدالرحمن الکواکبی والدکتور یوسف القرضاوی ومحمد الغزالی والدکتور محمد عماره وراشد الغنوشی وغیرهم. ویمکن للقارئ أن یتتبع قراءة موضوع کمستقبل المجتمع الإسلامی فی کتاب «طبائع الإستبداد» لعبدالرحمن الکواکبی وفی کتاب «مجموعة الرسائل» لحسن البنا وفی کتابی «الفقه السیاسی» و«الدین والسیاسة» للدکتور القرضاوی وفی کتاب «الحقوق والحریات المدنیة» لمحمد الغزالی وکتاب «المنشور العالمی لاتحاد علماء المسلمین».
سنن الله وقوانینه:
لا شک أن لله الخالق العلیم القادر سنن وقوانین فی مخلوقاته وفی کیفیة تعامل البشر مع بعض. وهذه السنن والقوانین إذا تحققت أسبابها فلا تتغییر ولا تتبدل و لا تحول أیة قوة دون وقوعها ویمکنک أن تشبه هذه القوانین بقواعد حسابیة وفیزیائیة وبالقوانین المهیمنة علی النظام الشمسی. ویمکن أن تشیر کنموذج إلی القوانین والسنن الإلهیة فی خصوص تقابل الحق والباطل والإیمان والکفر والعدالة والظلم. وإشارة خاطفة إلی سنن الله فی الظالمین والمستبدین أو –حسب التعبیر القرآنی- الطواغیت یمکن أن تقرّ برؤیتنا إلی الواقعیة أکثر من ذی قبل وقد تاه التفسیر الذی یقوم علی أساس المعتقدات اللیبرالیة والعلمانیة الغربیة مع الواقعیات وکل هذا فی ظل التعالیم القرآنیة المشعة.
یبین لنا القرآن الکریم قبل کل شیء الغایة من إرسال الرسل : (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) [نحل:36]
أی لقد أرسلنا فی کل أمة رسولاً لیقول لهم : اعبدوا الله واجتنبوا عبادة کل طاغوت مستبد، فمنهم من قبل فهداهم الله ومنهم من عصی فحق علیهم الضلال. فإن کنتم فی ریب منهم فسیروا وسافروا فی الأرض وانظروا إلی أثارهم وانظروا کیف کانت عاقبة مکذبی الرسل! وعلینا أن لا ننسی ما قامت به الحکومات المستبدة ؛ فإن الله تعالی یراقب کل صغیر وکبیرمن أعمالهم وإن أمهلهم فللإصلاح والجبر ولکنه لا یغفل عنهم أبدا کما قال: (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً)[الکهف:59].
أی قدرنا لسکان تلک المدن والقری زمانا خاصاً أهلکناهم فیه وذلک بعد أن ظلموا بتصدّیهم للحق. و أبرز مثال للأنبیاء الذین أتوا برسالة حریة الإنسان من عبودیة الطواغیت والمستبدین یتجلی فی قصة موسی وفرعون حیث أن الله تعالی ذکرهما کمدرستین واتجاهین وعرفهما للمجتمع البشری؛ إحداهما إلهیة وقیمیة وقانونیة ومحوریة للشعب والأخری فرعونیة وإستبدادیة تقاتل الشعب وتفرّ من القانون. وبنظرة شاملة إلی هیکل مدرسة فرعون (الحکومیة) فی القرآن الکریم یتبین لنا کم یتناسق مع معتقد وتعامل هذه الأنظمة الدکتاتوریة المستبدة المعاصرة وما کان یقوم به فرعون:
هیکل الأنظمة الفرعونیة:
الف: ثالوث فرعون وقارون وهامان؛
فرعون: مظهر الاستبداد والدکتاتوریة وحصر القدرة فی الشخصیة المستبدة المتکبرة.
قارون: مظهر الشخص الثری الانتهازی الذی تحلق حول الحاکم ویستغل الأموال ولایشبع.
هامان: مظهر صاحب النظر والرأی الذی یبرر سیاسات النظام الدکتاتوری.
و قد عبر الدکتور علی الشریعتی عن ذلک تعبیراًٌ جمیلاً فقال: ثالوث القوة والذهب والتزویر.
ب: التعامل السیاسی والاجتماعی:
• تقسیم الناس إلی الحمیم وغیر الحمیم( وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً ) [القصص:4] أی جعل فرعون شعب مصر فرقا وجماعات.
و یمکن أن نشیر إلی تقسیم الشعب العراقی إلی فرق الشیعة والسنة والکرد وذلک ما فعله الاحتلال وأعوانه فی الظروف الراهنة.
• قتل الکرماء الذین یأنفون الخضوع وفرض العزلة علیهم (يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ) [القصص:4]
• إن فرعون کان یقتل أبناء مخالفیة الغیورین. إن الاغتیال والإعدام والاعتقال وفرض العزلة علی المخالفین کان ولایزال سلاح جمیع المستبدین المشترک. فعلی سبیل المثال ولا الحصر، یمکن أن نذکر قتل وإبادة 35 ألفاً من الشعب السوری العزّل فی مدینتی «حمص» و«حماة» من المدن السوریة علی أیدی حزب البعث السوری فی السبعینات وأن خمسة عشر ألفاً منهم ما زالوا فی عداد المفقودین وأیضاً مشروع «الأنفال» للشعب الکردی العراقی وکذلک مأساة حلبجة المرعبة وقتلُ ألف ومئتی معتقل سیاسی معظمهم إسلامیون فی سجن «بوسلیم» علی أیدی قوات الأمن القذافی خلال أسبوع واحد فقط. وکذلک إبادة مئات الآلاف من الأبریاء ومعظمهم من المدنیین فی العراق علی أیدی المحتلین و التکفیریین وهی الفرقة التی تحمیها المنظمات الاستخباراتیة فی المنطقة وهذا نموذج آخر من استلهام الطغاة من المدرسة الفرعونیة.
• اتخاذ النساء والضعفاء عبیداً (وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ)[القصص:4] وکان فرعون یستحیی نسائهم وضعفائهم للاستثمار. وإن للاسثمار السیاسی والثقافی والاستخباراتی للحکومات المستبدة من الأفراد غیر الناضجین وضعیفی الإدارة من الصف المقابل له تاریخ طویل. و جدیر بالذکر أن قارون کان رجلاً ثریاً یحمی فرعون وهو من بنی إسرائیل.
• الظلم وتضییع الحقوق (يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً)[القصص:4]
إن حرمان الشعب من ممارسة حقوقهم الشرعیة و لاسیما حق المواطنة هو الذنب الوحید لهؤلاء لأنهم یتبعون مذهباً أو معتقداً آخر وهذه خصلة تشترک فیها الأنظمة المستبدة. ولا شک أن حرمان الإسلامیین والقوی الوطنیة غیر المنتسبة علی أیدی العلمانیین الحاکمین فی عصر أتباع أتاتورک فی ترکیا والحکومات العلمانیة فی مصر وتونس وسوریا والیمن ولیبیا من المشارکة السیاسیة والمدنیة نموذج بارز من هذا الظلم السافر فی العصر الحدیث.
• خداع الشعب واضطهاده (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ )[زخرف:54]، إی أذل قومه بالکذب والخداع فأطاعوه.
إن أحد أسباب الأنظمة المستبدة هو الاستعمال الواسع من الکذب والخداع وقلب الحقائق.
ج: مصیرالدکتاتوریة و ورّاث مدرسة فرعون السیاسیة :
• الغرق فی بحر الظلم والخداع: (حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَق )[یونس:90]. إن فرعون قد استمرّ فی استبداده حتی غرق.
• الندامة الأجلة: (قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ )[یونس:90]. عندما کان یغرق قال: آمنت أنه لامعبود سوی إله بنی إسرائیل وأنا من المسلمین. إن العجز والاعتبار للآخرین وإن کان المستبدون یحرمون من العین الباصرة والأذن السامعة والعقل الواعی کما یحرمون من خصیصة الفهم الصحیح ومن «فرقان» المتقین وذلک بسبب تکدس الجرائم والجرائم حیث أنهم لا یُدرکون مصلحتهم ومفسدتهم أبداً ویغفلون أنهم فی کل مرة یمارسون الظلم والقتل والاعتقال للأبریاء ، یخرجون لبنة من قصرسلطتهم حتی ینهار علی رؤوسهم، (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً )[یونس:92] ننجّی ببدنک لتکون آیة للحکام المستبدین بعدک.
الآراء