توقفت طويلاً عند بعض التصريحات التي أبرزتها بعض القنوات الفضائية تعليقاً على ما سمّي فضّ الاعتصامات بالقوة، أو بعبارة أوضح وأصرح قتل المعتصمين سلمياً في ميداني النهضة ورابعة العدوية، ومن بعدها في مسجد مصطفى محمود، وصولاً الى سائر الميادين من مرسى مطروح الى سيناء. هذه العملية التي استخدمت فيها تشكيلات عسكرية وأمنية،بما فيها الطائرات والدبابات والجرافات، ولعلَ فيها الرصاص الحيّ، وأثبتت القنابل الغازية الموشحة بعبارات عبرية تشير الى الدولة المصنعة قدرة فائقة على خنق المواطنين المصريين الذين حافظوا على سلميّتهم وحضاريّتهم على مدى ثمانية وأربعين يوماً؛ احتجاجاً على الانقلاب العسكري على الشرعية الشعبية والدستورية، وعلى خطف الرئيس المنتخب، وحل السلطة التشريعية المنتخبة، وتجميد العمل بالدستور المقر بأغلبية ثلثي الشعب المصري. وقد ارتكبت في هذه العملية الغادرة فظائع تقشعر لها الأبدان، حيث أبدى قناصة الجيش والأجهزة الأمنية كفاءة عالية في إصابة الهدف، وقد تركزت الإصابات في الرأس والعنق والصدر، وتشير المشاهد التي رصدتها أجهزة الاعلام الى أن المقتحمين عبّروا عن حقد أسود، وساديّة مفرطة بحرق بعض المواطنين وجدت جثثهم متفحمة، وحال المهاجمون بإغلاقهم للطرق وغزارة الرماية دون وصول سيارات الإسعاف الى الجرحى والمصابين، ليتركوا ينزفون حتى يفارقوا الحياة .

هذه العملية التي شاهدها العالم أجمع، على الرغم من سياسة التعتيم التي فرضت على وسائل الإعلام، والتي راح ضحيّتها حسب التقديرات الأولية أكثر من ألفي شهيد، وأكثر من عشرة آلاف جريح، كثير منهم في حالة الخطر الشديد. هذه العملية على بشاعتها لم تهزّ شعرة لدى قادة معظم الأحزاب المصرية الذين طالما تفاخروا بالحرص على الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية. والحديث هنا ليس عن الحزب الوطني الذي يشعر بأنه فقد بثورة 25 يناير سلطته المطلقة على كل مفاصل الدولة، وتعرّض للعزل السياسي بموجب الدستور حتى لا يقفز الى السلطة من جديد بفعل المال الأسود الذي نهبه من خزينة الدولة عبر سني حكمه الطويلة، وبفعل نفوذه الأمني والقضائي والإعلامي، حيث ظلت هذه الأجهزة على ولائها للسلطة التي صنعتها وربتها على عينها، وجمعت بينهما المصالح، وإنما الحديث عن أحزاب سياسية شاركت بقدر ما في ثورة 25 يناير، ورفعت شعارات الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وقالت في النظام البوليسي الذي جثم على صدر مصر عقوداً مديدة ومريرة ما لم يقله مالك بالخمر. هذه الأحزاب يصدم المتابع لتصريحاتها من مستوى السقوط الأخلاقي الذي انتهت إليه، فهي تستمتع بالنظر الى الدم المسفوح من إخوانهم في المواطنة، وتتلذذ برائحة الشواء المنبعثة من الأجساد المتفحّمة، وتهلل لفرض حالة الطوارئ ومنع التجول، وتحرص على إقصاء تيار وطني عريض وتدعو الى محاكمته، لا لشيء إلا لأنه حظي بثقة الشعب المصري تقديراً لدوره السياسي والاجتماعي والخدمي، ولنظافة سلوكه عبر عقود طويلة، صبّ عليه خلالها من دكتاتورية العسكر ما لم يصب على تيار آخر في العصر الحديث.

من يستمع الى تصريحات حزب الوفد، والتجمع، والتيار الشعبي، وسائر مكونات جبهة الإنقاذ.. ولو أردنا الإنصاف لقلنا جبهة الخراب، يتساءل : هل يبلغ الحقد والحسد والتعطش للسلطة هذا المبلغ من الانحطاط الأخلاقي؟ وهل يمكن التعايش والتعاون والتنسيق والشراكة مع هذا الصنف من البشر؟ وهل بقي خيط واحد يربط هؤلاء بشعب مصر المعروف بتسامحه وإنسانيته؟

فحين تعلن جبهة الإنقاذ أن مصر الآن ترفع رأسها عالياً!! وحين يقول حزب الوفد إن فض الاعتصام كان واجباً على السلطات بتفويض من الشعب، وحين يدعو التيار الشعبي المصريين الى الوقوف الى جانب الداخلية والأجهزة الأمنية، وحين يشمت حزب التجمع بما جرى، ويدعو الى محاكمة قادة الإخوان المسلمين، وحين يزعم حزب المصريين الأحرار أن ما جرى كان بتفويض من الشعب، وحين يرحب كل هؤلاء بفرض حالة الطوارئ، وحظر التجول في أربع عشرة محافظة بما فيها القاهرة والجيزة والإسكندرية، حين نسمع كل ذلك من حقنا أن نقول: أية قومية واشتراكية ولبرالية هذه التي يرفعون شعاراتها؟ وهل أبقى هؤلاء على أوهى خيط يربطهم بمصر والأمة وقيمها؟ وهل هنالك مفردات تستطيع التعبير عن مدى الانحطاط والسقوط الذي هوى إليه هؤلاء؟

لكم الله أيها الشهداء، ولك الله يا شعب مصر، ولا تأسَ على هذه الحفنة من الحزبيين المفلسين الذين لفظهم الشعب فارتموا في أحضان العسكر المتحالفين مع تل أبيب وواشنطن.