حينما أقبلت تباشير الربيع، همس نسيمه إلی الأرض بكلمة سحرية؛ يا أيّتها الأرض النائمة، لقد آن أوان اليقظة والتغيير؛ انهضي من نوم النائمين وغفلة الغافلين؛ قومي وانظري ماذا حدث في عالم الكون والحياة.

قامت الأرض بلاهوادة ودون تمهّل؛ فكّرت وتأملت وتعمّقت؛ فشاهدت نفسها ونومها وخمولها قبل أيّ شيئ، حرّكت نفسها وما عليها؛ أثارت زوبعة هائلة في نفسها وفي كل شيء عليها، فتحركت هي وما عليها بشدة؛ أوجدت التغيير في نفسها وبعد ذلك بدأ التغيير في الكون؛ ألبست الأرض وما عليها لباس الأخضر وزينّت؛ فعيونها تفجرت بماء الحياة وجرت المياه العذبة في أنهارها لنمو المخلوقات؛ وزهورها تفتحت بنسيم الأمل وانتشرت رائحتها الذكية في فضاء عطرة محبوبة...

ونباتاتها بُعثت بالحياة، وأشجارها وأغصانها تمايلت وتعانقت كأم حنون لولدها، وحدائقها فوّحت العطور من زهورها الجميلة؛ وطيورها غرّدت أنغام اليقظة والحرية والمساواة وطارت في سمائها حتی تصل نداء الوعي إلی ما علی الأرض، وجبالها استقرت وتعلّمت الاستقامة في مصائب الحياة؛ وسماءها ترحمت وبدأت تنزل المطر؛ وبعض رجالها ونساءها وشبابها نهضوا وتأملوا وتذكروا النشور، كأنّ الأرض ومافيها وما عليها كلها في هزة واعية وبديعة وجميلة.بعد ذلك قالت الأرض بصوت هادئ: يا أيّها الربيع يا واعظ المكنون للقلوب النائمة والغافلة...

ويا نسيم بسمة الأزهار في الرُبوع  والسهول ويا معطي ضحكة ماء العين والنهر إذا تدفق من الينبوع..... ويا من أتيت تحمل البشائر والنُذر للعباد ويا موقظ النفوس والضمائر والقلوب... ويا باعث الحياة في الرماد والجذور والأموات و يا مذكّراً بالبعث والمعاد وداعياً العباد؛ الرجال، والنساء، والشبان! هذا أوان التفكر والتأمل والتعمق في الكون والنفس والحياة والموت وعودة القلوب للبارئ الحبيب المنان وعبادة الخالق الكبير المتعال.