اتخذت النظرة إلى مصر عند جميعنا طابعا جديدا. شهدت مصر العام الماضي بالتحديد إجراء الانتخابات، کتبت مقالا حمل عنوان الديمقراطية كأسلوب، ربما لم يكن لأحد التصور انه بعد مضي عام، يتم تجاهل هذا الأسلوب على يد قوى تسرعت نوعا ما في أمر تحقيق الديمقراطية وأدخلت مصر في برهة زمنية عنوانها المستقبل المجهول. أشرت في مقالي إلى انتصار الانتخابات المصرية نهائيا بالقول: إذا لم ننظر إلى الديمقراطية كأسلوب بل نمعن النظر في مفهومه النهائي، فعندئذ تذهب كافة مساعينا سدى وفي نهاية المطاف لا يبقى أمامنا سبيلا في سعينا لتحقيقها إلى النأي بأنفسنا عنها وإحلال الاستبداد محلها... إذا ما تخيل لشخص ما ان الشعب المصري يفكر مثلهم فانه واقع في خطا فادح وعليه الإذعان بهذا،  عليه ان لا ييأس إذا لم تسير السفن بما يشتهي في أجواء منحت له حق التعبير عن الرأي. الديمقراطية السائدة تمتاز بميزة، مفادها تنبيه الجل الأعظم من الناشطين السياسيين بأخطائهم. فالمشكلة الرئيسية التي يعاني منها الناشطين السياسيين عدم تميز الديمقراطية والليبرالية، ظنا منهم انه بإقامة الديمقراطية، يختار الناس القيم والأطروحات الليبرالية كما يريدونها.

فأنهم يتخيلون بان لا شيء يميز الديمقراطية والليبرالية. صحيح بأنه يبدو بان أخطاء إخوان المسلمين ومحمد مرسي شخصيا كانت كثيرة طوال العام المنصرم غير انه كان على المعارضة التحلي بالصبر والتحمل قليلا والابتعاد عن اللجوء إلى الانقلاب العسكري بغية تحقيق السلطة، كان من الممكن ان يغلق ملف إخوان المسلمين والقوى السلفية لأخطائهم ويتحولون في المستقبل إلى قوة ضعيفة. لكن الانقلاب العسكري على يد الجيش، جعل الأمور تتأزم، ناهيك عن انه ليس قانونيا، فأسوأ حالة ممكنة هنا دخول مصر دوامة العنف. عنف نرى لهيبه في بعض الدول العربية کما شاهدنا في الأيام الماضية فی مصر. هناك من يقول ان تعامل إخوان المسلمين، جعل الديمقراطية الحديثة في مصر تواجه خطرا، وهذا القول مرفوض جملة وتفصيلا، لان مقاليد الجيش والشرطة والأجهزة القضائية لم تكن بيد مرسي، فكيف يمكن له تدمير صرح الديمقراطية والانتخابات الحرة؟  كما انه مادام الجيش لم يساند ما تقوم به حكومة مرسي، فاستمرار الوضع قبل الانقلاب العسكري، لا يمكنه ان يؤدي إلى حرب داخلي، فإذا ما نظرنا إلى الأمور من هذا المنظار فلا نرى مبررا لما قام به الجيش. ذهب منتقدو الإخوان ومحمد مرسي ضحية الانفعال وسياسة مقاطعة الانتخابات وتفرقت قواهم وكان عليهم إصلاحه وليس اللجوء إلى الجيش فمادامت القوى المعارضة تستطيع ان تقيم مظاهرات مليونية في القاهرة والمدن الأخرى ولم يتم قمعهم بل لم يعترضهم احد ما، فيكف كان لمرسي ان يسير نحو الدكتاتورية المستدامة؟ وبأي آلة؟ هل يعتبر إحداث تغيير على مستوى المحافظين مؤشرا على الاستبداد؟ لو كان المتظاهرون بإمكانهم ان يستمروا لأيام طويلة في جعل البلاد في تلك الحالة، فكان على مرسي آجلا او عاجلا التنحي او إحداث تغييرات هائلة في سياساته. كما كان من الممكن ان يخضع لإجراء انتخابات مبكرة. لكن إطاحته على يد الجيش كان عملا غير مبررا، اثبت ان الجيش المصري لا يتحمل الابتعاد عن حقل السياسة وأقحم نفسه مرة واحدة في حقل السياسة دون الاهتمام بالتداعيات الخارجية والداخلية. في هذه الأثناء  دعم الشباب المصريون كما السياسيون من تصورا بأنه تم إقصائهم من الساحة بعد الثورة ضد حسني مبارك او تضرروا ، دعموا الجيش وحتى تم التنسيق فيما بينهم قبل هذا ولهذا يتحملون مسئولية مشتركة في الأمر. فإذا كان المنتقدون يرون ان إخوان المسلمين لا يؤمنون بالديمقراطية فأنهم قدموا العون الكبير للفكرة تلك ووضعوا أنفسهم بدلا من الإخوان في مكان المتهم الأول المعارض للديمقراطية. فالحكومة الجديدة وسمت الانقلاب العسكري على جبينها من دون ترديد ولهذا لا يمكنها ان تقصي الإخوان وقد تعمق من جراح الأزمة في مصر وهذا ما يؤدي إلى زيادة الغضب الشعبي كما يسفر عن مشروعية إخوان المسلمين بشكل كبير. كما قد يمكن ان تقام انتخابات حرة ويفوز فيه الإخوان والسلفيين وليس من المعلوم تعامل الانقلابيين حينئذ؟ فالقضية الهامة هنا ان الديمقراطية هي أسلوب وعادة أنها في العالم الثالث تكون أسلوبا غير متكامل لكن على المدى البعيد تقارب القوى إلى بعضها البعض أكثر من أي عامل آخر وتقلل من العنف السياسي. فعلينا تحمل مخاض الولادة هذا الأسلوب لبرهة كي نجرب الهدوء ونلامسه لاحقا.