أشعر أنا بحاجة أن نبذل جهدًا أكبر في توصيل الإسلام إلى قاعدة كبيرة من هؤلاء، المجتمع الأمريكي عبارة عن ثلاثة أشياء:
ـ عبارة عن أرض، وقد أمرنا الله سبحانه وتعالى أن نعمر أي أرض نحل فيها (وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا).
ـ وشعب، هذا الشعب الحقيقة مع الاحتكاك الدائم سنوات طويلة، واحتكاك في هذه الأيام، هو أكثر شعوب العالم يمكن أن تغير فيه لو وجد من يحسن أداء الرسالة إليه، إذا وجد من يحسن توصيل الإسلام إليه، وقانون، والقانون معزول تمامًا عن الدين، لكن فيه قيما داخلية، ربما أفضل من بعض البلاد الإسلامية، لكن المصيبة الكبرى في الممارسات الحكومية، فالحكومة لها إيجابيات وسلبيات، وسلبياتها في الخارج أكبر بكثير جدًّا من سلبياتها في الداخل.
فالدعم المفرط لإسرائيل بهذا الشكل الذي نرى فيه كل يوم شهداء، ونرى كل يوم فيه جرحى بالمئات، لم تعد مسألة أعداد على أصابع اليد الواحدة، القتلى بالملايين، العجيب أن كثيرًا من أبناء الشعب الأمريكي لا يدري ما تفعله حكومته في الخارج.
التقصير الأساسي من وجهة نظري عندنا في الإعلام، هذا المجتمع لو استطعنا أن نبلغه أمرين: الأمر الأول: الإسلام بحقائقه وليس كما يصورنه له، أنا أتكلم عن الشعب وليس الحكومة التي يتحكم فيها اللوبي الصهيوني.
الأمر الثاني: ممارسات أمريكا في الخارج، الناس لا تعرف أن أمريكا تسببت في قتل مليون ومائتي ألف في العراق، وأحدثت فجوة في داخل العراق، ربما تستمر لسنوات طويلة جدًّا، لا تقل عن مائة عام، وأحدثت تغييرات ديموجرافية هائلة وكثيرة جدًّا.
المجتمع الأمريكي لا يدري حجم القهر والظلم الذي يمارس داخل أفغانستان، كثير من الأنظمة الديكتاتورية ليست محمية إلا بالنظام الأمريكي، تحاورت في كل جولاتي مع أعداد كبيرة من الشعب الأمريكي فيبدأ بفكرة وينتهي ويقول: عندك حق، نحن لا نعرف شيئًا عن هذا.
أكثر من خمسة وتسعين في المائة من الأمريكان لا يعرفون شيئًا عن الإسلام، إذن لا بد أن توجد جماعات للدعوة، وتبليغ رسالة الله -عز وجل- في كل مكان، والأصل هو الإعذار قبل الحكم على الناس.
ففي داخل أمريكا لا يوجد اهتمام بالسياسة الخارجية، والمواطن الأمريكي ربما لا يعرف اسم المدينة المجاورة له.
الولايات المتحدة الأمريكية لو قامت باختبار لألف واحد عن أسماء الولايات الأمريكية فيندر أن تجد من يعرف أسماء الولايات الأمريكية.
فالمسلمون مقصرون تقصيرًا هائلاً في حق دينهم وفي حق أمتهم، في حق دينهم، مقصرون في البيان والإرشاد والدعوة والتبليغ، مقصرون في حق أمتهم في هذا القهر الذي نتعرض له ولا توجد مرآة تعكس هذا الأمر إلى المجتمع الأمريكي.
أتعجب في هذا الظرف، أن أول مؤسسة إسلامية في أمريكا للإعلام الإسلامي الآن عندها أجهزة جاهزة للبث على مدار الـ 24 ساعة باللغة الإنجليزية، وقد رأيت المكان رأي العين، لكن كل ما يحتاجه هو 15 مليون دولار، والأخ المسئول قام بزيارة كثير من الدول العربية، وللأسف لم يجد أحدًا يتكفل بهذا المبلغ أو مجموعة تتكفل بهذا المبلغ -15 مليون دولار-، هذا ذكرني بأيام الاعتداء الصربي على البوسنة، 250 ألف امرأة مسلمة هُتك عرضها، ثمانين ألف مسجد هدمت، قتلى فوق النصف مليون من الشعب البوسنوي، إذلال لا حد له.
ففي أثناء هذه الأزمة قام الدكتور علي عزت بيجوفتشي بزيارة كل العواصم العربية، يريد نصف مليار دولار وستحسم المعركة لصالح المسلمين، ولم يتمكن للأسف الشديد من جمع هذا المبلغ، نصف مليار هذه تنفقها الدول والأفراد في أشياء تافهة جدًّا.
فعلى سبيل المثال أدوات التجميل في العالم ينفق عليها 160 مليار دولار، تجارة المخدرات حسب تقرير قرأته لهيئة الأمم المتحدة في 2007م 322 مليار دولار.
أولوية الإنفاق
منذ خمس سنوات في الرياض، كانت عندي محاضرة في مؤتمر كبير، وقلت لهم: لو أدركنا أولويات الإسلام اليوم، لتوقفنا عن بناء المساجد لحساب بناء قنوات فضائية باللغات الحية في العالم، فإن المسلم لن يعدم مكانًا يصلي فيه، "جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا"، ولكن نعدم منبرًا نبلغ فيه رسالة الإسلام إلى الناس بصورة صحيحة.
عندي ألم شديد عندما رأيت واقع المجتمع الأمريكي، لا يشعر بما يجري من مظالم في الخارج، ولا يعرف حقائق الإسلام، ثم نحن مشغولون عن هذا كله بطعام وشراب وحياة رخوة، لا تغني عنا أمام الله شيئًا.
الله تعالى يقول: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
فأتعجب عندما ندخل في حوارات مع بعض الأمريكيين، لا يعرفون أننا نؤمن بعيسى ابن مريم، وأن عندنا سورة اسمها سورة مريم، لا يعرفون أننا قوم أصحاب عدالة لا يوجد لها نظير في العالم، أننا ننظر إلى العفة كمبدأ أساسي للحفاظ على الأسرة، التي تهتكت وتفككت عندهم، وأننا نملك علاجا لهذه الأزمات.
هم يحتاجون، لكن إذا كان المريض لا يشعر أنه مريض، ولا يتقدم الطبيب للعلاج، النتيجة: هو هذا الانحطاط الموجود.
الدعوة إلى الله أولا
من هنا أدركت لماذا كان واجب الدعوة إلى الله يسبق الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، واجب الدعوة إلى الله طولب به النبي صلى الله عليه وسلم من أول يوم (قُمْ فَأَنذِرْ)، من أول يوم صار النبي رسولاً، لكن الصلاة فرضت بعد عشر سنوات من الدعوة، والزكاة والصيام بعد خمسة عشر سنة من الدعوة، الحج بعد ثمانية عشر سنة من الدعوة، لكن المسلم يذهب ويقوم بأداء عمرة بعد عمرة، وحج بعد حج، ويصلي ويصوم، ولكن واجب الدعوة وتوصيل الإسلام إلى العالم هذا أمر لا يشغل كثير من الناس.
لو أن إنسانا صادقا قام بعمل غرفة "محادثة"، يتحدث إلى العالم، سيسلم ناس كُثر، وكل من فعل هذا أسلم على يديه الكثير، بشرط أن يكون جادًّا، وأن يكون مخلصًا، وأن يكون ذا علم، أو يتعلم شيئًا من الدين يقدمه للناس.
اسأل الله.. تبارك وتعالى أن يهدينا، وأن يهدي بنا وأن يجعلنا سببًا لمن اهتدى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
________
المصدر: موقع الدكتور صلاح سلطان
من الأرشيف الصوتي لفضيلة الدكتور صلاح سلطان.
الآراء