کلمة الأستاذ الدکتورأحمد نعمتی التی ألقاها في موتمر الاتحاد العالمی لعلماء المسلمین المنعقد بإستانبول ترکیا،عام 2010.
الحمد الله الذی جمعنا علی الهدی و ألزمنا کلمة التقوی و أرشدنا إلی الحق و شرفّنا باتباع سبیله و الاهتداء بکتابه؛ و صلی الله علی سیدنا محمد رسول الله، إمام الهدی و سید الأنبیاء الذی بلغ الدعوة و نصح الأمة و أقام الملة و أخرج الله به الناس من الظلمات إلی النور...
أصحاب الفضیلة و المعالی، أعضاء المؤتمر المحترمین، حضرات الأساتذة و الخبراء الأکارم، نخص شیخنا و أستاذنا الکبیر، رئیس الاتحاد العالمی لعلماء المسلمین، رائد التقریب و الحوار، العلامة المجاهد، المنبر السیار، ناقل الضوء إلی الأماکن المظلمة، الدکتور القرضاوی؛ أحییکم بتحیة الإسلام، السلام علیکم و رحمة الله و برکاته...
أود أن أعبر عن الشکر و التقدیر لترکیا العزیزة رئیسا و حکومة و شعبا، علی استضاقة هذه الندوة المهمة و التقدیر الجزیل و الدعاء للقائمین علی هذا اللقاء الإسلامی التاریخی فی دار الخلافة الإسلامیة سابقا؛ نسأل الله تعالی أن یسدد خطاکم و یجعل التوفیق حلیفکم.
یسّرنا أن نشهدکم فی هذا اللقاء المبارک؛ إنّ قیام هذه المجمع الذی یمثل الأمة الإسلامیة، کان أملا یتطلع إلیه مفکرو الأمة منذ أمد طویل؛ فالحمد الله الذی جعله حقیقة واقعة. فالمسلمون الیوم یتطلعون إلی هذا المجمع و ینتظرون نتائج أعمالکم و أبحاثکم؛ فهم شغوفون لمعرفة رأی الإسلام و حکم شریعتهم الغراء فیما جدّ من مشکلات هذا العصر. هذا الاجتماع تتحقق فیه أمنیة غالیة طالما تمنّیناها و یتمناها کل مسلم صادق الإیمان.
کلمتی تدور حول التجدید فی الفکر الإسلامی المعاصر و أثر الاجتهاد فی ضوء المصالح و المقاصد، و لن أخوض فی التفصیلات بل سأمرّ علی محطات و عناوین، لأن الوقت محدد و لا یکفی التفصیل و کلکم أهل علم و فضل.
• نحن فی عصر انفجار المعرفة و تعدد المشکلات العلمیة، فحضور ذوی الاختصاص فی فروع العلم المتعددة یکون خیر عون لفقهائنا الأجلاء؛ إذ الاستعانة بأهل الذکر فی کل مجال من مجالات المعرفة تعین علی کشف دقائق الأمور و تجعل الرؤیة أکثر وضوحا و اتجاها لیأتی الحکم الشرعی موافقا لمرامی الشریعة بعون الله تعالی.
• إننا نؤمن جمیعا أن الإسلام دین یخاطب العقل و یناهض التخلف فی شتی صوره و أشکاله و یشجع حریة الفکر و یستوعب منجزات العصر، و نعتقد أیضا أن البدایة لبناء وحدتنا تتمثل فی نبذ الخلافات بین المسلمین و تصفیتها بروح الأخوة الإسلامیة، کما أن البدایة الحقیقیة لقوتنا تعتمد علی قدرتنا لمواجهة المشکلات الاجتماعیة و الاقتصادیة و الإنسانیة العالمیة بحلول إسلامیة مستلهمة من روح الشریعة السمحة و متجاوبة مع حاجات العصر.
• و کما تعلمون أن الإسلام هو الدین الخاتم الذی ارتضاه الله لنا لیُخرجنا من الظلمات إلی النور و من التباغض و الفرقة و الخلاف إلی التعاون و الحبّ و وحدة المصیر. و لما ابتعد المسلمون عن هذه الإشراقات النورانیة، دالت دولتهم و قصرت قامتهم و أصبحوا غثاء بین الأمم، کما نعانی و نواجه الیوم کثیرا من التحدیات نتیجة الضعف و التفرق و تکالب الأعداء و احتلال الأرض و تدنیس المقدسات و امتهان الإنسان؛ فنری فکرا متطرفا منعزلا عن روح الإسلام الحقیقیة، یکفر و ینفر، و نری من جانب آخر من یفتح صفحات مظلمة لخلافات سیاسیة عفا علیها الزمان و قد تُحدث فتنا فی مجتمعاتنا المسلمة متناسیا تاریخنا المشرق فی دهوره الطویلة«تلک أمة قد خلت لها ما کسبت و لکم ما کسبتم و لا تسألون عما کانوا یعملون» و نری من جانب آخر تفریطا تسوقه سلبیات عولمة غازیة بعیدا عن التمسک بالأصالة و الصواب و التراث.
• آن لنا أن نقف صفا واحدا فی مواجهة الغزو و الاحتلال و إحداث الفتن و أن نخرج من العمل الفردی إلی العمل الجماعی؛ آن لنا أن نکون جسداً واحداً نتعاون فیما اتفقنا علیه و یعذر بعضنا بعضا فیما اختلفنا فیه، إن ما نشاهد من القنابل و القذائف التی تستهدف الأبریاء فی فلسطین وأفغانستان و العراق، لا تفرق بین السلفی و الأشعری و لا بین سنی و شیعی و قومی و علمانیّ ؛و إنما تستهدفهم جمیعا.
• نحن الآن أمام عصر فی کل لحظة منه مستجدات، أصبح العالم غرفة واحدة؛ لا أقول شقة و لا قریة؛ و هناک معطیات لابد أن یکون للإسلام فیها حکم و لا أقول رأی؛ لأن الإسلام دین و لا رأی فی الدین. مهمة المجتهدین و الفقهاء أن یبذلوا جهدهم فی تحقیق المسائل للوصول إلی حکم الله تعالی انطلاقا من النصوص و التزاما بالقواعد و مراعاة لتحقیق المصالح و المقاصد. نحن نعانی فی هذا الزمن من نظرات بعض المفکرین؛ بعضهم یحاربون جنون البقر لکنهم یسمحون بل ینشرون جنون البشر کالمجازر فی العراق و فی غزة و غیرهما؛ و منهم من یدافعون عن الأموال و المصالح و الارزاق و بخربون الأخلاق. و منهم من یحاربون تلوث المیاه و البیئه و الأنهار و البحار لکنهم لا یبالون بتلوث النفوس و الأخلاق و العقول. لذلک إننا بحاجة ماسة إلی إعداد دعاة علی مستوی من العلم و الفهم و العقل و الثقافة و المعاصرة و معرفة اللغات و أن یکون قد بُنیت شخصیاتهم علی طهر و ثقافة؛ و علی روح و دین، و علی تقوی و عدالة کما کان أسلافنا- رضی الله عنهم-
• إن المسلمین الیوم فی أمسّ الحاجة إلی الاجتماع علی کلمة واحدة و لا یمکن أن یحصل لهم ذلک إلا إذا اجتمعت کلمتهم علی الکتاب و السنة عقیدة و تشریعا و سلوکا ؛ و إن السعی فی سبیل تحقیق تعارف و تفاهم بین العلماء و المفکرین و القادة الإسلامیین فی المجالات العقائدیة و الفقهیة, و الاجتماعیة و السیاسیة من أهم رسالة العلماء خاصة فی هذا العصر. قال إمام الدعاة المعاصرین: مازلنا نختلف حول غسل أو مسح قدم، حتی لا نملک من وجه الأرض موضع القدم، و ما زلنا نختلف و نتنازع حول الخلافة حتی أصبحت خلیفتنا المفوض الأمریکا. و کما نعلم أن النصوص وحدها لا تصنع شیئا و أن المصحف وحده لا یعمل حتی يكون هناک رجال ؛ و من ثم جعل خاتم الأنبياء هدفه الأول أن یصنع رجالا لا أن یلقی مواعظ ؛ و أن یصوغ ضمائر لا أن یدبّج خطبا ؛ و أن یبنی أمة لا أن یقیم فلسفة.
• للتعصب المذهبی دون النظر إلی الدلیل آثار سیئة و خطیرة : الف) أنه سبب من أسباب تسلط الأعداء علی المسلمین، إذ أن هذا التعصب الأعمی یؤدی بهؤلاء إلی مقاتلة بعضهم البعض و هذا ما یسبب الضعف فی صفوف المسلمین ، فیتمکن الأعداء من شقّ صفوفهم و کسر شوکتهم، و لولا هذا التفرق لکانوا یداً واحدة علی من سواهم. ب) انتشار المناظرات و المجادلات لا لبیان الحقّ و الوصول إلی مراد الله کما کان یفعل الأئمة- رحمهم الله- بل انتصارا لرأی أو مذهب أو ردا لأقول الخصوم من أصحاب الرأی أو المذهب الآخر. ج) إن التعصب المذهبی یقسّم المسلمین إلی شیع و أحزاب و جماعات متفرقة متناحرة، یتشبثون بما عندهم معتبرین إیاه صواباً لا یحتمل الخطأ و یعتبرون ما عند غیرهم خطأ لا یحتمل الصواب؛ و أین هم من قول الإمام الشافعی- رضی الله عنه- حینما یقول: رأی صواب یحتمل الخطأ و رأی غیری خطأ یحتمل الصواب.
• لعل من أهم الأسباب التی أدت إلی تخلف الفقة إزاء الحوادث مایلی:
• غیاب الاجتهاد عن الساحة العلمیة، أعنی الساحة السیاسیة و الاقتصادیة و الاجتماعیة و ...؛ قال العلامة شاطبی: إن الوقائع فی الوجود لا تنحصر، فلا یصحّ دخولها تحت الأدلة المنحصرة و لذلک احتیج إلی فتح باب الاجتهاد لوقائع لا تکون منصوصا علی حکمها و لا یوجد للأولین فیها اجتهاد.
• جمود بعض المشتغلین بالفقه عند نصوص من سبقهم دون الأخذ بالنبع الصافی (القرآن و السنة) فأقوال الفقهاء أفهام و تطبیقات للشریعة بما یناسب مع زمان کل فقیه .
• إن تجدید الفکر و تجدید وسائل الحیاة و أسالیب العمل أمرٌ حیویٌ لا یمکن أن یعیش الإنسان کریماً بدونه؛ إن الشمس تشرق کل یوم و یُخلق معها یوم جدید و حیاة جدیدة و ما لم یقم الإنسان بجهد قوی و جماعیّ لمواجهة الیوم الجدید فإنه یموت، فکریا و عقلیا و معنویا. إن تکفیر المجتمع و تبریر الخروج علیه و علی حکومته، من الأمور التی جلبت علی مجتمعاتنا شرورا کثیرة و هی تخالف صریح نصوص دیننا القویم.
• فی الحدیث الذی رواه أبوداود و الحاکم و البیهقی عن أبی هریره- رضی الله عنه- أن رسول الله -صلی الله علیه و سلم- قال:( إن الله یبعث لهذه الأمة علی رأس کل مئة سنة من یجدّد لها دینها)؛ و فی هذا الحدیث بلا شک یبعث الأمل فی نفوس الأمة و یبشرهم بأن الله لا یدع هذه الأمة دون آن یهیئ لها من یوقظها من سبات و یجمعها من شتات؛ یجددّ شبابها و یحیی مواتها.
فالتجدید فی الحدیث ینصبّ علی دین الأمه و لیس علی دین الله؛ فالمقصود بالتجدید هو إحیاء معانی الدین فی النفوس و محاولة العودة إلی ما کان علیه الدین یوم نشأ و ظهر بحیث یبدو مع قِدمه کأنه جدید و ذلک بتقویة ما ضعف منه و ترمیم ما بلی و رتق ما انفتق حتی یعود أقرب ما یکون إلی صورته الأولی. و مفتاح التجدید، هو الوعی و الفهم للإسلام من ینابیعه الصافیة.
و نحن فی مطلع القرن الحادی و العشرین للمیلاد أصبحنا فی حاجة ماسة إلی رجال یحسنون عرض الفکر الإسلامی و یصوغونه صیاغة جدیدة تنقی الفکر من الخرافة و العقیدة من الشرک . و العبادة من البدع و الأهواء و الأخلاق من التحلل و الانهیار.
أصبحنا فی حاجة ماسة إلی رجال یقفون فی وجه کل تجدید ممنوع، یرید أن ینسف کل قدیم و یدعو إلی الانفتاح علی العالم و الذوبان فیه؛ أصبحنا فی حاجة إلی رجال یسلکون مع أعداء التجدید مسلک الاحتواء و الإقناع و ذلک من أجل الارتقاء بفکرهم و الخروج من الحرفیة فی تطبیق النصوص إلی إمعان النظر فی مقاصدها العامة.
أصبحنا فی حاجة إلی رجال یجمع بین القدیم النافع و الجدید الصالح و یدعو إلی الانفتاح علی العالم دون الذوبان فیة؛ منهجهم الثبات علی الأهداف و المرونة فی الوسایل و التجدید فی فهم الأصول و التیسیر فی الفروع.
قال رسول الله- صلی الله علیه و سلم- صنفان من الناس إذا صلحا، صلح الناس جمیعا و إذا فسدا، فسد الناس... العلماء و الاُمراء.
من هنا أناشد قادة الأمة و علمائها فأقول: استدرکوا تقصیر ما فات، و قفوا وقفة ثبات و رجولة ؛ وقفة تؤکد أهلیتکم القیادیة فی الدین و السیاسة؛ کلٌ من موقعه و استجیبوا لربکم و لأبناء أمتکم و رعیتکم فی الدفاع عن غزة و عن العراق و عن کل الأمة الإسلامیة الجریحة و لن یُحَقق نصرٌ و لا ازدهارٌ إلا بالانطلاق من إصلاح النفس و محاربة الهوی و دفع التفرق، لأن الله سبحانه و تعالی یقول:{إن الله لا یغیر ما بقوم حتی یغیروا ما بأنفسهم}؛ و ما ذلک علی الله بعزیز.
و السلام علیکم و رحمة الله و برکاته
إیران – کردستان، د.أحمد نعمتی -أستاذ المساعد للفقه و الأصول المقارن فی جامعات إیران
الآراء