الإعلام الإسلامي ودوره في خدمة الدعوة إلى الله لا شكَّ أن الدعوة إلى الإسلام لا تَقتصِر على الرسل والأنبياء فقط، بل تمتدُّ إلى الأشخاص العاديين في كل زمان ومكان؛ كما قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: "بلِّغوا عنِّي ولو آية". ومن المعروف أن وسائل الدعوة لدى الناس كثيرة؛ من الدعوة في المساجد ودور العبادة بصفة عامة، ودعوة غير المسلمين في بلادهم، والجاليات المسلمة في بلاد الغرب.. وغيرها من الوسائل المتعدِّدة التي تعمل دائمًا على زيادة انتشار الدين الإسلامي الحنيف في كل بقاع الأرض. ولا شكَّ أن مِن أهمِّ الوسائل التي ساعدت على نشر الإسلام وسائلَ الإعلام بمُختلف أقسامها، وخاصة أنه مع ظهور التقنيات والتكنولوجيا الحديثة أصبَحَ الأمر أسهل مِن ذي قَبل؛ حيث أصبح العالم كقرية صغيرة يستطيع الشخص أن يَنشر مقالاً في بلد ما ليقرأها شخص آخر في أقصى بلاد الغرب، وبالتالي أصبح على الإعلامي الداعية الإسلامي عبء ثَقيل في نشر الدعوة الإسلامية والدفاع عن الإسلام، والرد على كل مَن يُحاولون تشويه الإسلام وإرساء صورة سلبية خاطئة عن الإسلام والمسلمين في العالم. وفي هذا الصدد يوضِّح د. أحمد زارع، أستاذ الإعلام بجامعة الأزهر، المسؤولية الشديدة المُلقاة على كافة المسلمين عامة، ودعاة الدين الإسلامي الذين يَعملون بوسائل الإعلام بشكل خاصٍّ قائلاً: إن الإعلام الحديث يُعتبَر مِن أهمِّ الوسائل التي تُساعد في نشر الدعوة للدِّين الإسلامي وتَحسين الصورة الذهنية الخاطئة عن الإسلام والمسلمين في العالم، وخاصة عند الديانات غير الإسلامية، التي ترى أن الإسلام - دينًا وديانة - لا يُعطي متَّسعًا للأشخاص في المعاملة، بل يعمل على تضييق الحياة عليهم، وذلك بعكس سماحة الإسلام ويُسره في كل شيء، مُشيرًا أنه برغم التفريط والخلل الواضح في نشر الدعوة الإسلامية في العالم، بجانب وسائل الإعلام الغربية التي تعمَل ليلاً ونهارًا على إيصال الصورة السيئة عن الإسلام، إلا أن الله سخَّر هذه الأعمال للخير ونشر الحق المبين، وللدعوة إلى الرسالة الخالدة، رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولذلك يجب أن نفكِّر بمِعيارية شديدة، وأن نُحسن استخدام وسائل الإعلام على المستوى العالَمي لكي تصِلَ الرسالة المراد إيصالها للجميع. وأضاف زارع: إن وسائل الإعلام الإسلامي أصبحَت ذات أهميه شديدة في نشر وتبليغ الدعوة إلي الإسلام التي بدأها الرسول صلى الله عليه وسلم، واستكملها الصحابة رضوان الله عليهم، مرورًا بالتابعين وتابعي التابعين حتى وقتِنا هذا، كما يتحمَّل علماء الأمة عبئًا أساسيًّا في تعريف غير المسلمين بالدين الإسلامي ودعوتهم إلى التوحيد والإيمان، والدخول تحت راية الله ورسوله، وبالتأكيد على أن أمَّتَنا الإسلامية في هذا العصر "عصر القنوات الفضائية المُتعدية، وعصر المعلومات والقنوات الصناعية"، في أمسِّ الحاجة إلى منابر إعلامية تستطيع أن تُعبِّر عن الواقع الإسلامي وتاريخ الأمة، والعمل على التصدِّي لمن يُحاولون تشويه صورة الإسلام في العالم، وخاصة وسائل الإعلام الغربية والصِّهيونيَّة. وأكَّد أستاذ الإعلام بجامعة الأزهر، أنه يجب على جميع الأجهزة الإعلامية الإسلامية المتخصِّصة الحديثة أن تُنسِّق مع بعضها البعض وتقف وقفة واحدة للدفاع عن الإسلام، وتحقيق الهدف المرجوِّ منه، وهو انتشار الدعوة الإسلامية في جميع مراكز العالم، مُضيفًا: إن انتشار الشبكة العنكبوتية ووسائل الاتصال الحديثة سهَّل التواصُل بين جميع مناطق العالم، وأصبح الشخص يَكتب شيئًا أو يقوم بنشر شيء على الإنترنت؛ ليراه ملايين البشر في مختلف أنحاء العالم، وبالتالي يجب الاستفادة من تلك الميزة والخاصية، وخاصة أن التعاون مع تلك الأجهزة الإسلامية يَعمل على التكاتُف ضد هؤلاء الذين يُريدون هدم الدين الإسلامي وتشويه صورته في العالم؛ لأنه يَرفُض مَصالحهم الشخصية القائمة على الحرية الزائدة، والتي يَرفضُها الدين الإسلامي. كما يؤكِّد د. محمد عبدالواحد طرابية، أستاذ الإعلام الإسلامي بجامعة الأزهر، أن الداعية الإسلامي هو المكلَّف شرعًا بالدعوة إلى الله، كما يقول الدكتور عبد الكريم زيدان: هو كل مسلم بالغ عاقل من هذه الأمة الإسلامية مكلَّف بهذا الواجب، فلا تختص الدعوة بالعلماء فقط كما يَفهم البعض، ويقول الله - عز وجل -: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108]. وأضاف طرابية: ليس للداعية استِخدام كل وسيلة تقع تحت يده؛ لأن الغاية لا تُبرِّر الوسيلة في اعتقاد الداعية المسلم الذي يَصِل إلى الغاية النبيلة بوسائل نبيلة، ولذلك هناك ضوابط لا بدَّ أن يُراعيَها الداعية الإسلامي في الوسائل الإعلامية التي سوف يَستخدمها، وهي النصُّ على مشروعية الوسيلة في القرآن والسنَّة ودخول الوسيلة في دائرة المُباح، مُشيرًا إلى أنَّ المَجال واسع للداعية لاختيار الوسائل المَرغوبة والمطلوبة شرعًا، مع تنوُّع العصر وتقنياته. كما أشار د. محمد عبدالسميع، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، إلى أن ظهور وسائل التواصُل والاتِّصال الحديثة في هذا العصر - كشبكة الإنترنت، والمُنتديات الإلكترونية، والمدوَّنات، وصفحات التواصل الاجتماعي بأنواعها المختلفة والمعروفة - لا يَنبغي أن يتجاهله الإعلامي الداعية، ولا يَجب أن ينفصِل عنه، مؤكدًا أن عليه أن يَستخدِم تلك الوسائل الحديثة في أسلوب الدعوة إلى الله؛ لأن الدعوة في الزمن السابق والتي كانت مَقصورة على المَسجد أو المركز أو دار العلم - مع عدم التقليل من شأنها - أصبحت صعبة جدًّا، وتُنفق الكثير من الوقت والجهد، في ظل سهولة التواصُل بسبب ظهور التقنيات الحديثة التي مكَّنت الدعاة من التواصُل مع البلاد غير المسلمة دون أن يتحرَّك الداعي مِن مكانه أو يُسافر، أو غيره مِن الطرُق القديمة قبل ظهور الوسائل الحديثة، وبالتالي لا يَنبغي على الداعي أن يترك هذه الوسائل التي تُسهِّل له الدعوة إلى الله وأن يبتعد عنها، بل لا بد من أن يعرف كيفية استخدامها، وأن يوظِّفها التوظيفَ الصحيح؛ من خلال الاستفادة الكاملة منها؛ لتَحقيق رسالته وهدفه إلى الناس، وكما يقول الرافعي: "إن لم تزد على الدنيا كنتَ أنتَ زائدًا عليها". وأوضح عبدالسميع أن وسائل الإسلام الحديثة من الممكن أن تُستخدَم في الدعوة إلى الله؛ وذلك بسبب تعدُّدها في العصر الحديث، وأهميتها في زمن العالم المفتوح؛ حيث جعلت العالم قرية صغيرة، وبالتالي فإن الداعية الإسلامي مُطالب بأن يُغادِر حجرته الضيقة ويَعمل على تطوير وسائله الدعوية، خاصة أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يَترُك للأمة الإسلامية وسيلة أو طريقًا ممنهجًا يُمكِن أن نَسير فيه في كيفية الدعوة إلى الله، بل يُمكن أن نتجاوَز تلك الحدود وأن نَبتكِر، فالقرآن الكريم وضَع للدعاة قاعدةً ثابتة يَسيرون عليها؛ وهي المتمثِّلة في قول الله - عز وجل -: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل: 125]، وقد فسَّر العلماء الحكمة بأنها أن تضَعَ الشيء المناسب في المكان والزمان المناسبَين له. وأكَّد أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة على أن الداعي مُطالب شرعًا بتطوير وتحديث طرُقه ومناهجِه التي يَستخدمها في وسائل الدعوة الإسلامية، واستخدام كافة الوسائل التكنولوجية الحديثة لتوصيل رسالته إلى غير المسلمين، فلم يَعُدْ مِن المُتقبَّل حدوثه أن يَنتظِر الداعي الناس في مسجده لكي يُعطيهم الدروس أو يُعلِّمهم أمور الإسلام، بل أصبَحَ من الواجب عليه أن يَخرُج ويتواصَل معهم بكل الطرُق المُمكِنة. المصدر: "الألوكة".
الآراء