حضر الأمین العام لجماعة الدعوة والإصلاح الأستاد عبد الرحمن بیراني في الجلسة الأخیرة للهیئة التنفیذیة المرکزیة في الیوم الثاني من صفر وأکد علی ضرورة رعایة الأمانة. نص کلمة الأمین العام کما یلي: الأمانة من الکلمات الرئیسیة في لقرآن الکریم وهي ضد الخیانة؛ وقد جاءت هذه الکلمة ست مرات في القرآن الکریم؛ مرتین بصیغة المفرد وأربع مرات بصیغة الجمع والسور التي ذکرت فیها کلمة الأمانة هي: المعارج: 32 والمؤمنون: 8 والبقرة: 282 والنساء: 58 والأنفال: 207 والأحزاب: 72.
ولأن نفهم دور هذه الکلمة في الجوانب المختلفة في هذه السور نشیر إلی مسألتین:
المسألة الأولی: في سورة المعارج حین ذکرت کلمة الأمانة للمرة الأولی: "إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ﴿١٩﴾ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا ﴿٢٠﴾ وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ﴿٢١﴾ إِلَّا الْمُصَلِّينَ(22)" أشارت السورة ببعض من السمات الإنسانیة کالجشع والجزع والبخل وبعد سرد هذه السمات الطبیعیة أکدت علی الأعمال التي تفید الإنسان لتزکیة نفسه والتفادي من هذه الآفات کإقامة الصلاة وإیتاء الزکاة ودفع الصدقات والإیمان بالیوم الآخر والخشیة من الله تعالی وصیانة النفس عن الفواحش حتی ترتقي النفس بمکانة التي تناسب خطاب القرآن وتستحق لعهد الله وأمانة التي أودعها الله إیاه.
یقول الأستاذ سید قطب رحمه الله: إن هذه القضیة من القضایا الأخلاقیة الرئیسیة في الإسلام والتي یقوم علی أساسها علم الاجتماع الإسلامي حیث أکد علیها مرارا؛ أصول کرعایة الأمانة والعهد الذي عاهد اللهَ وعبادَه علیه والشعور بالمسؤولیة أمام هذا العهد بمعنی أنه حین یعاهد عهدا فقد یتحمل مسؤولیة وعلیه أن یعمل بمقتضاه.
إن الإنسان یواجه عهودا کثیرة طوال حیاته وأعظمها العهد الذي بینه وبین الله کما یقول الله تعالی: "إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا"[الأحزاب: ٧٢].
والمسألة الثانیة فقد جاءت کلمة الأمانة في سورة المؤمنون في إطار أکثر حساسیة لأنه تأتي بعد سرد کثیر من صفات المؤمنین: "قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴿١﴾ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴿٢﴾ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴿٣﴾ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ﴿٤﴾ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ﴿٥﴾ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ﴿٦﴾ فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ﴿٧﴾ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴿٨﴾ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴿٩﴾ أُولَـٰئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ ﴿١٠﴾ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿١١﴾"
هذه الآیات هي عهد الله مع عباده المؤمنین الذین یتسحقون بالتمتع من نعیم الجنة یوم القیامة فعلی هؤلاء أن یتصفوا بهذه الصفات و یلتزموا بالعهد الاجتماعي والدیني بینهم وبین ربهم والوفاء به یضمن لهم الفوز والنجاة. حین یقول الله تعالی:
"قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ" أن کلمة قد تؤکد علی الیقین بالفوز؛ ثم یقول: "الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ" والصلاة مع الخشوع هي إمارة فهم عظمة الله وجلاله.
"وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ" اللغو علی العکس من الجدیة والهدف بمعنی الإعراض عن العبث من العمل والقول والفعل وهذا بالنسبة للإنسان الذي قد حُمل علیه المسؤولیة في الدنیا وعلیه أن یقوم بأدائها بجدیة وقصد ویشتغل بشؤون مفیدة وفعالة ولا یضیع عمره سدی وعبثا. واللغو لیس فقط الأمور عدیم الجدوی بل یشمل الأمور التي تفتقر إلی جدیة وعزم.
"وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ" دفع الحق إلی مستحقیه والقیام برد الأمانة المالیة إلی ذوي الحاجات هي مسؤولیة اجتماعیة خطیرة.
"وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ" إن المؤمنین عفیفون وحذرون أن لا یتعدوا حدود الله ویحذرون من أي فساد. وفي ما یتعلق بالإماء یمکن القول إن هذه الظاهرة کانت من الضروریات الاجتماعیة في بدایة الإسلام وفي زماننا هذا وبعد إنشاء المنظمات العالمیة والاهتمام بحقوق الإنسان والحریات العامة أن الحروب لا تؤدي إلی استرقاق الناس وأن قضیة الإماء یمکن أن تزول من تلقاء نفسها وإن کان هناک مجموعات متطرفة لا یزالون یعتقدون بأسر المقاتلین کالعبید والإماء.
"وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ" هذه الآیة تؤکد من جدید علی ضرورة المحافظة علی الأمانة والعهود الماضیة في هذه السورة وإلا فإن الآیات تدل علی عهد الذي بین الله وبین المؤمنین ولکن هناک تم التعبیر عنها بصیغة الجمع لتشمل کل الأمانات والعهود.
"وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ" هذه الآیة إعادة تأکید علی إقامة الصلاة وعدم التقصیر في أدائها. هذا بعض من سمات المؤمنین الذین یستحقون لحمل أعباء الأمانة والفوز بسعادة الدنیا والفردوس الأعلی في الآخرة. وفي الختام نقول إن الأمانة تشمل کافة القدرات والفرص والظروف المشروعة التي تتوفر للإنسان وقد قسم العلماء الأمانة إلی ثلاثة أقسام:
1- أمانة الله وأمانة دینه وتتم المحافظة علیها بامتثال أوامره واجتناب نواهیه وإقامة الشهادة للدین.
2- أمانة النفس وما أودع الله إیاها من حیاة وعقل والجوارح والأسرة والأقرباء و...
3- أمانة الناس وهي تشمل النصح وتقدیم الخدمة إلی الآخرین وحفظ الأمانة في القول وفي الإشهاد والمحافظة علی الأسرار والحکم بالعدل وقبول الآخر والتسامح.
وبناء علی هذا فإن کل موجود والذي سیوجد وله علاقة مع الحیاة الإنسانیة فهو من الأمانة التي یجب المحافظة علیها.
الآراء