الدعوة التي جاء بها الإسلام تؤکد على احترام مقدسات الآخرین وتعترف بحریة الإنسان في توجهه الروحي والديني والأخلاقي. هذا ما أکد علیه القرآن الکریم وقد جاء مرارا أنه لا ینبغي لأحد أن ینال من مقدسات الآخرین ولو کانوا کافرین؛ وقد جاء في موضعین أن الله تعالی یخاطب الکافرین بـ "یا أیها الذین الذین کفروا..." بلطف ورفق. فضلا عن ذلک لا یسمح لمسلم أن یسب ما یدعوه غیر المسلمین:

"وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ فَيَسُبُّوا اللَّـهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" ﴿الأنعام:١٠٨﴾ هذا ما ینص علیه الشرائع السماویة والقوانین البشریة ومنطق التعامل.

إن ما نسمع الیوم على لسان کبار مسؤولي النظام الإیراني منهم المرشد الأعلی الذي یصرح بـ"حرمة" المساس بمقدسات أهل السنة أمر إیجابي جدا وفي نفس الوقت لم یسبق إلی مثله أحد من المراجع قبله عبر أربعة عقود من عمر الثورة الإسلامیة أو بهذه الصراحة علی الأقل؛ رغم أن هذا الفتوی وما شابهه قد لا یخلو من تکلفة للمفتي کردة فعل المتطرفین الذین یعتبرونه مخالفا لمبدإ البراء الذي هو من فروع الدین ولا یلائم کثیرا مع الصلابة الدینية المأمور بها ومن وجهة نظرهم أنها نوع من التساهل أو التخاذل أمام الآخرین.

إن الثورة الإسلامیة جاءت بشعار العدالة والمساواة بین المذهبین الشیعة والسنة وهذه الشعارات قد أخفقت في کثیر من النواحي وصولا إلی توجیه المساس بکبار الأصحاب الذین لهم مکانة عالیة في قلوب أهل السنة؛ فإن سکوت المراجع الدینیة أمام هذا التیار وعدم اکتراثهم بهم قد فتح المجال لبعض أصحاب الأقلام أو النائحین والراثین للمساس بکبار الصحابة منهم الخلفاء الثلاثة وعدد من أزواج النبي الطاهرات وکأنهم قد مُنحوا الضوء الأخضر من عند مراجعهم لاستحباب هذا الأمر أو عدم حرمته علی الأقل وإذا تدارک المراجع هذه الفکرة الخطیرة ونزعوها من جذورها لما وصلت إلی هذا الحد.قد جاء في کتاب "کلستان" الأثر الخالد لسعدي الشیرازي: في یوم من الأیام خرج أنوشیروان الملک الإیراني للصید في مجموعة من خدامه فلما قضی حاجته دعا الملح وأرسل إلی أقرب القری بالغابة وأوصاهم أن یدفعوا ثمنه؛ قیل یا أیها الملک إن قلیلا من الملح لا یحتاج إلى دفع الثمن فما سر تأکیدکم؟ قال: إن الملک إذا التقط تفاحة من حدیقة ظلما فخدامه یجتثون الأشجار من جذورها وإذا أخذ بیضة قسرا فخدامه یشوون الدواجن.

بناء علی هذا فإن عامة الناس إذا وجدوا منفذا لإهانة مقدسات الآخرین ولجوا فیها ووسعوا نطاقها سیما إذا لم یردعهم رادع ولم یکن أمامهم مانع؛ إن هذا الفتوی وإن جاء مؤخرا ولکنه وثیقة حیة لصالح أهل السنة بإیران وحجة دامغة لیستندوا إليها ویتمسکوا بها. وبالمقارنة مع فتاوی مثله للمراجع الآخرین نری صراحة لفظ "الحرمة" فیه بارزا بینما الآخرون اکتفوا بکلمات کـ "لا یجوز" أو "مغایر مع تعالیم أهل البیت" أو "علیهم أن یجتنبوا" ولم یحسموا الأمر بعدُ.

ورغم هذا فإن ردود فعل المفکرین أمام هذا الفتوی یمکن تقسیمها إلی أقسام:

فئة منهم یرون بأن الشأن السیاسي لهذا الفتوی أقوی من شأنه الدیني والعقدي وکأنه صدر عن عقلانیة وحکمة وبعد معایشة طویلة مع أهل السنة عبر أربعة عقود من الزمن والتأکد من ولائهم لوطنهم ومشارکتهم في کافة المجالات لتنمیة بلادهم وبذل الغالي والنفیس في سبیله وتحمل أعباء الحرب خلال ثمانی سنوات خاصة سكان المناطق الحدودیة غربي البلاد ومن ثم دورهم الواسع في مجال الانتخابات وکان اختیارهم دوما ملیئا بالحکمة والدرایة رغم إقصاء کثیر من مرشحیهم وعدم إمکان ترشحهم لبعض المناصب کمنصب رئاسة الجمهوریة قانونیا وعدم اختیارهم لمناصب کالوزارة حتی الیوم وعدم توظیفهم في بعض الدوائر وإن لم تصرح به مادة قانونیة.

ومنهم من یعتبرونه تحصیل الحاصل لأن احترام المقدسات أمر ثابت في القرآن والسنة وهذا مع ضرورته لیس شیئا جديدا خاصة ما یتعلق بقضیة توقیر أزواج النبي أمهات المؤمنین لأن المسلمین لیسوا بحاجة إلى فتوی حتی یوقروا مکانة أمهات المؤمنین فضلا عن عدم النيل منهن.

ومنهم مع الترحیب بهذه الخطوات الإیجابیة نحو الحیاة السلمیة یشککون في مدی تطبیقه العملي في أوساط المجمتع ویخشون أن فئة من المتشددین لا تلقي له بالاً کعدم اکتراثهم بفتوی تحریم التطبیر حیث أن بعضا منهم لا یزالون یقومون به.

وجزء کبیر منهم أي قاطبة أهل السنة یرحبون بمثل هذا الفتوی ویرونه بلسما لجراحهم وسکنا لأرواحهم سیما أن نار الحروب الطائفیة في البلدان المجاورة تحرق الرطب والیابس ولا یرحم صغیرا ولا کبیرا. إنهم علی درایة بأن الوصول إلی کافة مطالبهم أمر مستحیل وإن مرت علی طرحها أربعة من العقود وعلیهم أن یقوموا بتصنیف مطالبهم بدءا من الأهم إلی المهم من دفع المفاسد وصولا إلی جلب المنافع .

إنهم یعتبرون أنفسهم أصحاب هذه الأرض والدار وحماة حدود البلاد مستعدین للحفاظ علی مبادئ ثورتهم ووطنهم إلی جانب إخوانهم الشیعة ویتوقعون أن لا یتم تهمیشهم أو اعتبارهم مواطنین من الدرجة الثانية وهذا لیس توقعا کبیرا. نرجو أن تؤدي هذه الخطوات الإیجابیة إلی الاحترام لمقدسات کافة المواطنین الإیرانیین وتفضي إلی تجریم المساء بشخصیات أهل السنة سواء في وسائل الإعلام أو المنابر أو المنشورات حتی نعیش بعضنا مع بعض آمنین مطمئنین.