إن العمل التربوي عمل ضخم كبير وضرورة لاتستغني عنه الأمة الإسلامية و يكفي في بيان علو منزلة التربية وصفُ الله سبحانه لنبيه بأنه مُزكٍ للنفس ومُربٍّ لها: 

 • هُوَ الَّذي بَعَثَ في الاُمّيينَ رَسُولا مِنْهُم يَتلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلال مُبين«الجُمعة:2»

 • لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمؤْمِنينَ اِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَ إِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلال مُبين«آل عمران:164»

 • كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولا مِنْكُم يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ« البقره:151»

 • رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ وَالحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ العَزيزُ الْحَكِيم« البقره:129»

لأنَّ صلاح الأنفس بالتربية والتزكية لا ينعكس أثره فقط على الفرد ذاته ، ولكن ينعكس أيضا على أهل بيته وجيرانه ومجتمعه وبلده وأمته وعلى الدنيا كلها ؛ وأدَلُّ دليل على عظيم أهمية التربية وأثرها على الأمة هو الفترة التي كانت في بداية الإسلام في مكة، والتي استمرت 13 عاما ؛ تربی خلالها 300 رجل على يد النبي ( ص )، هؤلاء هم الذين حملوا بعد ذلك على أكتافهم الدعوة و أقاموا الدولة الإسلامية على أساس متين.لذلک  فإنَّ مرحلة المراهقة من أهمّ المراحل في التربية لأنَّ عواطفه جياشة وأحاسيسه مرهفة، وهو كثير الخوف ،كثير الرجاء، سريع الشعور بالذنب والإحساس بالضعف ويتجه إلى المسجد أحيانا ويكثر الدعاء والأوراد والأذكار. كل هذا وغيره من الظواهر تشير إلى ميول المراهق الأكيدة للتدين والتعبد بصوره المختلفة.وقد أشار العديد من الدراسات النفسية الميدانية إلى هذا التوجه والميول عند المراهقين والمراهقات. وإذا كانت هذه الحاجة قائمة یجدر أن يبدأ المربي في مناقشة هذا الجانب والتوجيه إلى ممارسته مبكرا مع بداية المراهقة. وقد أثبت بعض الدراسات النفسية أن استعداد المراهق للاستقبال والاستشارة والاسترشاد بالكبار يكون أكبر في السنوات الأولى المبكرة من المراهقة، وهو سن 13و14و15 ويتقلص الاستقبال وتزداد الاستقلالية فيما بعد ذلك.

القاعدة : قال الإمام مالك: «لن يُصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها.»

كيف تربت الجماعة الأولى؟

الجماعة الأولى هي الجماعة التی رباها الرسول على عينه ومنحها كل جهده ورعايته وتوجيهه والتي اجتمعت لها عناصر التربية الإسلامية بأکملهاعلى يد أعظم مربٍّ في التاريخ.

يقول سيد قطب «رحمة الله عليه» وانتصر محمد يوم صنع أصحابه صورا حية من إيمانه ، تأكل الطعام وتمشي في الأسواق، يوم صاغ من كل منهم قرآنا حيا يدبُّ على الأرض، يوم جعل من كل فرد نموذجا مجسما للإسلام يراه الناس فيرون الإسلام.

ونحن مطالبون بدراسة وافية لتلك الجماعة الأولى التی تفسر لنا أسرار عظمتها وبلوغها، ما بلغت إليه من قمم شامخة في كل مجال خاضته؛ فكيف استطاعت جماعة بهذا الوصف أن تصل إلى تلك الآفاق ؟ وما العناصر التي تكونت منها تلك العظمة الفائقة؟

من العوامل المؤثرة في تربية الجيل الأول مصاحبة الرسول مع أصحابه، ومن الأمثلة التاريخية المتميزة لأثر الصحبة، صحبةأبي بكرالصدیق لرسول صلى الله عليه وسلم، والارتباط النفسي والمصيري الذي اقتضته هذه الصحبة نظرا لارتباطها بأهداف عالية رفيعة  "إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴿توبة٤٠﴾

التربية اصطلاحا

فالتربية تعنى التنمية أي الزيادة، والتربية تعنى أيضا المعاهدة بمعنى التعهد والتبنى والمعايشة، وقد ورد عن الشيخ الجليل محمد الغزالى« رحمه الله تعالى» إنه قال:« ليست التربية أن تبذر البذرة فى الأرض رجاء أن تنمو؛ ولكنها تعنى أن تتعهد هذه البذرة بالرعاية فتزيل الحشائش من حولها وتسقيها وتحميها من الرياح العاتية، عند ذلك وبعد توفيق الله تدرك أنها ستنمو شجرة باسقة» .

وقال المربون إن التربية تعنى فن التعامل المتدرج مع النفس البشرية للوصول بها إلى درجة الكمال .

وخلاصة ماقالوا فى التربية أنها« تخلية» بإزالة كل ما يتعارض مع قيم وأخلاق الإسلام و«تحلية» بأن تضع قيم الإسلام وأخلاقه الرفيعة مكان ما  أفرغت وتأتى الثالثة وهي التثبيت بمعنى الحفاظ على استمرار عملية التحلية .

إذن التربية المنتجة عملية صعبة ومستمرة؛ لذا تحتاج إلى مصاحبة ومعايشة مع المتربين، والتربية التي تعتمد على لقاء عابر أو جلسة أسبوعية أو مناسبة عامة فقط، تربية فيها نقص وخلل ، ومن ثَمَّ لا يكون البناء متكاملاً.

 المصاحبة لغة 

 قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة (3/335) في مادة »صحب» قال: الصاد والحاء والباء أصل واحد، يدلُّ على مقارنة شيء ومقاربته، من ذلك الصاحب والجمع الصَّحب، كما يقال: راكب ورَكب، ومن الباب: أصحب فلان إذا انقاد، وأصحب الرجل إذا بلغ ابنه، وكل شيء لازم شيئاً فقد استصحبه .

وقال ابن سيده في المحكم» (3/119) : وصاحَبَه عاشره ، والصاحب المعاشر.»

وقال ابن منظور في اللسان (1/519) بمثل ما جاء في»المحكم.»

وفيهما (1) أيضاً: وصحب المذبوح: سَلَخَه ـ في بعض اللغات .

وقال صاحب« القاموس«بمثل ما تقدم (1/91).

وفي المعجم الوسيط» (1/507): صاحَبَه رافقه، واستصحب الشيء لازمه، والصاحب: المرافق، ومالك الشيء، والقائم على الشيء، ويطلق على من اعتنق مذهباً أو رأياً، والصحابي من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على الإسلام.

وفي«الإفصاح في فقه اللغة» ص: 708): الصحبة المعاشرة.

 المصاحبة اصطلاحا

إن مفهوم المصاحبة(المعايشة)هو : أن يُظهِر المربي استعداده لمعايشة المتربين واستقبالهم والجلوس معهم، وأن يُشعِرَهم بتوفر الوقت والمكان لديه لمعالجة قضاياهم وحل مشكلاتهم، وتتمثل أيضاً في إظهار أوقات الاستقبال وتحديدها؛ كالساعات المكتبية، والساعات المنزلية، والأيام، والأوقات المتوفرة للخروج مع المتربين في نشاطاتهم ورحلاتهم، وزياراتهم، وتيسير سبل الاتصال به؛ كالاتصال الشخصي، والكتابي، والهاتفي، والخلاصة : أن كل ما يُظهِرُه المربي من استعداد ليكون قريباً من تلاميذه ؛ لتربيتهم، والعناية بحاجاتهم، وحل مشكلاتهم فهو من خاصية المعايشة.

 المصاحبة في القرآن

وإلیکم بعض الأمثلة من القرآن الکریم للأنبیاء الکرام علیهم صلوات الله و سلامه الذین عایشوا أصحابهم و أممهم:

محمد صلی الله علیه وسلم: *  «مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّدا» (فتح/29)

نوح علیه السلام: 

«قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ» (هود /40)

« فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۖ وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ» (اعراف/ 72)

موسی علیه السلام: «فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ» (اعراف/ 131)

شعیب علیه السلام«:فَلمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ» (هود /94)

هود علیه السلام: « وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ »(هود /58)

صالح علیه السلام: «فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ »(هود /66)

لكن الملفت أن كلمة "مع" تأتي غالباً لوصف حالة دائمة لطرفين متجانسين في الظاهر والجوهر، دون قيود مكانية وزمانية.

 المصاحبة في السنة

والناظر في سيرة المصطفى- صلى الله عليه وسلم- يجد أن قضية المعايشة قضية بارزة في حياته- صلى الله عليه وسلم- . يؤكد هذا المعنى عبد الله بن شقيق- رضي الله عنه- عندما سأل عائشة- رضي الله عنها- : هل كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يصلي وهو قاعد ؟ قالت:«نعم ! بعدما حطمه الناس ».

فقد كان- صلى الله عليه وسلم- يتصدى للناس ، ويعايشهم ، ويخالطهم ، يستقبلهم ويودعهم ، ويتحمل أخطاءهم ؛ لذلك حطمه الناس ، وأثَّروا في بدنه- صلى الله عليه وسلم- حتى أصبح يصلي جالساً ، وأسرع إليه الشيب. ويؤكد هذا المعنى أيضاً حديث أنس- رضي الله عنه- حيث قال : «إن كان رسول الله ليخالطنا حتى يقول لأخ لي صغير : يا أبا عمير ! ما فعل النغير ؟ »  .

ويؤيد هذا المعنى أيضاً حديث سماك بن حرب ؛ حيث قال : قلت لجابر بن سمرة : كنت تجالس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ؟ قال : نعم ! كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا صلى الفجر جلس في مصلاَّه حتى تطلع الشمس ، فيتحدث أصحابه يذكرون حديث الجاهلية،ينشدون الشعر، ويضحكون،ويبتسم صلى الله عليه وسلم .

حديث أَبِي سَعِيدٍ: اعْتَكَفْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْعَشْرَ الأَوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ، فَخَرَجَ صَبِيحَةَ عِشْرَينَ، فَخَطَبَا، وَقَالَ: إِنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ثُمَّ أُنْسِيتُهَا أَوْ نُسِّيتُهَا، فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ فِي الْوِتْرِ، وَإِنِّي رَأَيْتُ أَنِّي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ، فَمَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلْيَرْجِعْ فَرَجَعْنَا وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءٍ قَزَعَةَ؛ فَجَاءَتْ سَحَابَةٌ فَمَطَرَتْ حَتَّى سَالَ سَقْفُ الْمَسْجِدِ، وَكَانَ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ، وَأَقِيمَتِ الصَّلاَةُ، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْجُدُ فِي الْمَاءِ وَالطِّينِ، حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ فِي جَبْهَتِهِ.

(أخرجه البخاري في: 32 كتاب فضل ليلة القدر: 2 باب التماس ليلة القدر في السبع الأواخر.)

حديث أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: شَهِدْنا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ، فَقالَ لِرَجُلٍ مِمَّنْ يَدَّعِي الإِسْلامَ: هذا مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَلَمّا حَضَرَ الْقِتالُ قاتَلَ الرَّجُلُ قِتالاً شَديدًا فَأَصابَتْهُ جِراحَةٌ، فَقِيلَ يا رَسُولَ اللهِ الَّذِي قُلْتَ إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَإِنَّه قَدْ قاتَلَ الْيَوْمَ قِتالاً شَدِيدًا، وَقَدْ مَاتَ، فَقالَ صلى الله عليه وسلم: إِلى النَّارِ قَالَ فَكادَ بَعْضُ النَّاسِ أَنْ يَرْتابَ؛ فَبَيْنَما هُمْ عَلى ذلِكَ إِذْ قِيلَ إِنَّهُ لَمْ يَمُتْ وَلكِنَّ بِهِ جِراحًا شَدِيدًا، فَلَمّا كانَ مِنَ اللَّيْلِ لَمْ يَصْبِرْ عَلى الْجِراحِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ: فَأُخْبِرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِذلِكَ، فَقالَ: اللهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنّي عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ أَمَرَ بِلالاً فَنادى في النَّاسِ: إِنَّه لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاّ نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَإِنَّ اللهَ لَيُؤَيِّدُ هذا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفاجِرِ

أخرجه البخاري في: 56 كتاب الجهاد: 182 باب إن الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر.

حديث الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه، قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي سَفَرٍ، فَقَالَ: أَمَعَكَ مَاءٌ قُلْتُ: نَعَمْ؛ فَنَزَلَ عَنْ رَاحِلَتِهِ، فَمَشَى حَتَّى تَوَارَى عَنِّي فِي سَوَادِ اللَّيْلِ، ثُمَّ جَاءَ، فَأَفْرَغْتُ عَلَيْهِ الإِدَاوَةَ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُخْرِجَ ذِرَاعيْهِ مِنْهَا، حَتَّى أَخْرَجَهُمَا مِنْ أَسْفَلِ الْجبَّةِ، فَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ أَهْوَيْتُ لأَنْزِعَ خُفَّيْهِ، فَقَالَ: دَعْهُما فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طاهِرَتَيْنِ فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا.

أخرجه البخاري في: 77 كتاب اللباس: 11 باب جبة الصوف في الغز.

حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ، وَلاَ الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائمِ( أخرجه البخاري: 30 كتاب الصوم: 37 باب لم يعب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعضاً في الصوم والإفطار).

حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَفَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَزْوَةٍ، فَلَمَّا ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ قَالَ: أَمْهِلُوا حَتَّى تَدْخُلُوا لَيْلاً( أَيْ عِشَاءً)لِكَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ، وَتَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ

(أخرجه البخاري في: 67 كتاب النكاح: 10 باب تزويج الثيبات).

(حديث جَابِرٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِذَاتِ الرِّقَاعِ، فَإِذَا أَتَيْنَا عَلَى شَجَرَةٍ ظَلِيلَةٍ تَرَكْنَاهَا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَسَيْفُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُعَلَّقٌ بِالشَّجَرَةِ، فَاخْتَرَطَهُ، فَقَالَ: تَخَافُنِي قَالَ: لاَ قَالَ: فَمَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي قَالَ: اللهُ فَتَهَدَّدَهُ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تَأَخَّرُوا، وَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ؛ وَكَانَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعٌ، وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَانِ)

ضرورة المصاحبة من الجوانب الأخرى

•إن المتلقي نفسٌ بشرية وليس آلة تضغط على أزرارها مرة، ثم تتركها وتنصرف إلى غيرها، فتظل على ما تركتها عليه، بل هي نفس بشرية دائمة التقلب، متعددة المطالب، متعددة الاتجاهات، وكل تقلب، وكل مطلب، وكل اتجاه، في حاجة إلى توجيه.قال سيد قطب: «إن القلب البشري سريع التقلب سريع النسيان، وهو يشف ويشرق فيفيض بالنور ويرف كالشعاع، فإذا طال عليه الأمد بلا تذكير ولا تذكر تبلد وقسا».

•يواجه الشباب المسلم في هذا الزمان تياراً من الفتن والصوارف عن دين الله ـ عز وجل : فتن الشبهات التي تشككه في دينه وعقيدته، وفتن الشهوات المحرمة التي تقوده إلى نارها. لذلک أمر سبحانه و تعالى في سورة الكهف بعد ذکر قصص أصحاب الکهف بمصاحبة مع أهل الإيمان لأجل حفظ فتنه الدين. واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة و العشي.

•المربي مسؤول عمن يربيهم يوم القيامة. قال -صلى الله عليه وسلم:« كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته».

•من الحاجات الاجتماعية التي تحتاج إليها المراهقة، الحاجة إلى الرفقة التي من خلالها تحقق ذاتها والحقيقة تعتبر الرفقة مطلبًا نفسياً لا يستغني عنها الإنسان خاصة في مرحلة المراهقة، وبوجود الرفقة المنسجمة يتم قضاء الأوقات وتبادل الآراء والخبرات وبث الآمال والمشاركة في الأحاسيس والمشاعر.

وتقوم الرفقة في كثير من الأحيان بإعطاء الرأي وبلورة الفكر و وضع الخطة وتنفيذها،فهي ليست محضًا شعوريًا ونفسيًا فقط بل هي أيضًا ذات بعد عملي وتنفيذي في حياة الشباب، ويتعذر منع الشباب المراهق عن الرفقة أو فرض العزلة عليهم، وهو أمر يصطدم مع طبع الإنسان وجبلته ويحرمه من حاجة نفسية مهمة.

والمراهقة تستوحش العزلة وتمقت الانزواء والانطوائية ما لم تلجئها إليها ضرورة أو تفرض عليها فرضًا، فهي تحس بحاجة داخلية ملحة للالتقاء بصويحباتها وبنات مرحلتها، وتشعر أنهن يمددنها بزاد نفسي لا يقدمه لها الكبار أو الأطفال.

ويتجه المراهقون إلى أقرانهم وزملائهم المقاربين لهم في السن، ليكونوا رفقة واحدة تشترك في أشياء كثيرة، من أهمها التشابه في التحولات الجسدية والعضوية والنفسية والعقلية والاجتماعية، والتشابه في المعاناة والمشكلات، والتشابه في المواقف من الكبار، هذا إلى جانب الاقتران في المرحلة الدراسية أو نوع العمل أو جهة السكن أحيانًا، وينضم إلى ذلك ـ بعد فترة ـ وحدة التجربة ونوع الخبرة التي تكتسب من خلال المواقف المختلفة التي تمر بالرفقة.

ويؤدي الاقتران والتشابه بين الأقران ـ في كثير من الأحيان ـ إلى التوحيد والتعلق بالرفقة بحيث لا يقدم المراهق عليها أحدًا، ويربط مصيره بمصيرها ورأيه برأيها، وربما یتعصب لرفقته ضد أي خطر خارجي يرى أنه يهددها.

وذلك لأمرين:

الأول: لأن الرفقة اختيارية في الغالب ـ فهي علاقة يختارها المراهق لنفسه، فهو الذي ينتقي أصدقاءه ويبني العلاقة معهم برغبته وحسب ميله ويتم هذا الاختيار النفسي إما بصورة عفوية حيث ينشأ مع المراهق خلال طفولته أو مراهقته ، أو يتم بصورة انتقائية حسبما يتوفر للمراهق من إجراء مناسبات اجتماعية تجمعه بأبناء مرحلته وهذا بخلاف علاقته بوالديه أو أساتذته أو زملاء صفه،, فإنها تكون مفروضة عليه، والاختيار نشاط يريح المراهق ويشعره بحريته وذاتيته.

الثاني: الانسجام بين النفوس والأرواح والتقارب في الخبرات ونوع المشكلات، وهذا أمر يضاعف من أثر الرفقة عليه، ويزيد التوحد والخلة بين الأصحاب.

يرى بعض المتخصصين أن الشباب الصغار يقاطعون مجتمع الكبار ويتجهون لتشكيل بيئات وثقافات خاصة بهم، لها لغتها ورموزها، فهم يتجهون إلى الشركاء المقربين ممن هم في نفس السن للحصول على الأمن والتأييد في وسط مجتمعات الكبار البعيدة عن عالمهم وأحاسيسهم ومشكلاتهم.

ويستمد المراهقون السلوك والرأي من أصدقائهم في قضايا ومجالات مؤثرة، تتعلق بأنماط السلوك والملبس، والبرنامج اليومي والهوايات والمشاركة في النوادي وقضاء أوقات الفراغ والرحلات ونوع السيارة .. وغير ذلك وكل هذه قضايا خطيرة ومتجددة تحدث أثرًا تراكميًا عبر الزمن تتأسس عليها شخصية المراهق وسماته وطبائعه.

إذن هناك أسباب أساسية للجاذبية بين الرفقاء وهي:

1ـ الحاجة النفسية: كون الرفقة تغذي حاجة نفسية ملحة يندر أن يستأنس المراهق بدونها.

2ـ التشابه: وجود التشابه في الطبائع والأحاسيس.

3ـ الاختيارية: أن الرفقة اختيارية لا يلزم بها المراهق، وإنما يحددها باختياره مع مراعاة عوامل تساعد على ذلك مثل الجوار والقرابة والزمالة، وهو توجه عام في مرحلة المراهقة حيث ينزع المراهق إلى الاستقلالية في الرأي والتصرف.

وهناك أسباب وسيطة لجاذبية الرفقة وهي:

1ـ المعايشة  2-الجماعية  3ـ الصراع

1ـ المعايشة: حيث يتأثر المراهق برفقته من خلال المعايشة اليومية.

2ـ الجماعية: حيث يكتسب السلوك والرأي قوة جماعية، فتجد الرفقة تجتمع على الرأي والمرء ضعيف بمفرده قوي بأقرانه.

3ـ الصراع: فموقف الأسرة أو المدرسين أو الكبار عمومًا المعارض للمراهقين أو المحتقر لهم، يزيد من التصاق المراهق برفقته، فذلك الصراع يؤدي إلى توحد أجزاء الجبهات المتنازعة وتقاربها، والتجابه هنا هو بين مجتمع المراهقين ومجتمع الراشدين.

یتبع...