أرکان الإیمان الرکن الأول:
الإیمان بالله جل جلاله لا فائدة من الإیمان بواحد من الأرکان إن لم تنطلق من الإیمان بالله ربا خالقا وإلها معبودا ومشرّعا متفردا وینحصر البحث علی أمور ثلاثة: وهي صفات الله تعالی وأسمائه وآثار الإیمان بالله عز وجل في حیاة الإنسان والأمة.
أ: صفات الله تعالی یذکر علماء العقیدة الإسلامیة أن لله تعالی صفات تلیق بکماله ویجب علی کل مکلف أن یعلمها علما تفصیلیا ویقیم علیها البرهان والدلیل کل علی حسب طاقته وهذه الصفات علی ستة أقسام وهي:
1- الصفة النفسیة وهي الوجود وتدل علی الذات دون شيء زائد علیها.
2- الصفات السلبیة وهي ما کان مدلولها سلب صفة لا تلیق به سبحانه أي سلب هذه الصفات وهي خمسة: الوحدانیة والقدم والبقاء والمخالفة للحوادث وقیامه تعالی بنفسه.
3- صفات المعاني والمراد بها کل صفة قائمة بذاته وهي سبع: القدرة والإرادة والعلم والحیاة والسمع والبصر والکلام.
4- الصفات المعنویة وهي الأحکام التي تترتب علی ثبوت صفات المعاني فحینما ثبت له سبحانه صفة القدرة نتج عن ذلک کونه قادرا و...
5- صفات الأفعال وهي ما ورد في القرآن وصف الخالق بها کالرزق والتعلیم والعمل والإنباء والإیتاء.
6- الصفات الجامعة کالعلو والعظم والکِبَر والملک والتکبر والجبروت والعزة والقوة. الصفة النفسیة الوجود معنی الوجود: الوجود ینقسم علی قسمین:
وجود ذاتي ووجود تبعي؛
فالوجود الذاتي: ما کان المتصف به غیر مفتقر في الاتصاف به إلی علة تؤثر فیه الوجود.
والوجود التبعي: ما کان المتصف به مفتقرا في الاتصاف به إلی علة تؤثر فیه الوجود.
ووجود الله من القسم الأول وهو الوجود الکامل ولا یکون إلا لله وحده سبحانه وما سواه وجوده تبعي.
أدلة وجوده سبحانه:
الأول: دلیل الفطرة والبداهة: یعنی أن الإیمان بوجود الله والاعتقاد به ربا خالقا لهذا الکون ومدبرا له ومتصرفا فیه هو فطري عند جمیع الناس لا یحتاج إلی إقامة برهان علیه کما لا یحتاج إلی برهان علی وجود الغرائز الإنسانیة بل هو شعور یشرق في أعماق قلب الإنسان. إن إحساس الإنسان بوجود الخالق وتلهفه دائما لمعرفته وإمداده وشعوره بحاجة هذا الکون الکبیر إلی قدرته وحکمته هو إحساس فطري صادق وهو من أکبر الأدلة علی وجوده سبحانه وتعالی. إنه شعور مشترک بین جمیع الناس یقوم في نفس الطفل الصغیر والإنسان البدائي والإنسان المتحضر والجاهل والعالم والباحث والفیلسوف والعبقري والمفن والجنیر والمرأة في عقر دارها[إبراهیم:10]، [البقرة:138].
وکون هذه الفطرة تتجلی عند الشدائد: إذ رُب عوامل تتسبب في إخفاء هذا الإحساس في خبایا النفس وحنایاها وأما عندما یرتفع ذلک الحجاب المانع عن الفطرة إذا بالإنسان یسمع نداء فطرته بوضوح ومواجهة المخاطر والشدائد من أبرز العوامل علی إزالة ما حجب الفطرة عن الإیمان بالله. انحراف الفطرة: غیر أن الفطرة التي فطر الناس علیها قد یصیبها بعض الآفات والعاهات والصوارف فتشوهها وتخرجها عن طبیعتها کما یحدث ذلک في الحواس کالسمع والبصر فقد یولد المولود سلیم الحواس والأعضاء إلا أنه قد یتعرضه عارض یفقده سمعه أو بصره مثلا.[یونس:22]، [الروم:30]، [لقمان:25]
الثاني: بطلان الرجحان بلا مرجح "دلیل الإمکان" ومعنی هذا أن یکون الشيء جاریا علی نسق معین ثم یتحیز عن نسقه ویتحول عنه دون وجود أي تغییر ومحول إطلاقا وذلک ککفتي المیزان المتساویین ترجح إحداهما علی الأخری دون أي سبب من الأسباب وهذا باطل. إن جمیع الأمور والأشکال المفروضة في الذهن لا تعدو أن تکون متصفة بأحد أوصاف ثلاثة: الوجوب – الاستحالة – الإمکان. فما اتصف بالوجوب: هو ما یحیل العقل عدمه وما اتصف بالاستحالة هو ما یحیل العقل وجوده وما اتصف بالإمکان هو ما لا یحیل العقل وجوده ولا عدمه. وهذا الکون الذي نراه في جملته إنما هو نوع من الممکن وکل ما کان هذا شأنه فلابد من مؤثر خارجي یرجح فیه أحد جانبي الإمکان ویبعد عنه الجانب الآخر وهذا یعني أنه لابد لهذا الکون الذي کان أصله قابلا لکل من الوجود والعدم علی حد سواء لابد له من قوة خارجة عنه مؤثرة فیه خصصته لجانب الوجود وتلک القوة لله تعالی.[السجدة:7]، [الفرقان:5]، [القصص:71-72]، [إبراهیم:19]، [الواقعة:57-74]
الثالث: بطلان التسلسل لو أن قائلا یدعي أن هذا العالم مستمر بحکم التوالد الذاتي الذي لا أول له نجیب بأن هذا الادعاء یستلزم إمکان التسلسل ولقد قرر العقلاء کلهم بحکم البداهة أن التسلسل محال. معنی التسلسل: أن یفرض أن المخلوقات کلها متوالدة بعضها عن بعض إلی ما لا نهایة بحیث یکون کل واحد معلولا لما قبله وعلة لما بعده دون أن یتصل هذه السلسلة أخیر بعلة واجبة الوجود هي التي تضفي التأثیر المتوالد علی سائر تلک الحلقات.
الرابع: بطلان الدور معنی الدور هو أن کل واحد من الأمرین یتوقف وجوده علی وجود الآخر فیترتب علی ذلک عدم وجود واحد منهما وهذا الدور باطل لأنه یستدعي أن یکون الشيء متقدما علی نفسه متأخرا عنها في آن واحد وهذا محال. والدلیل علی وجوب الوجود له تعالی أن تقول: یجب افتقار العالم إلیه وکل من وجب افتقار العالم إلیه فهو واجب الوجود فینتج أن الله واجب الوجود.
الخامس: دلیل العلة الغائیة أي دلیل الحکمة؛ بمعنی أن هذا العالم من أصغر جزء فیه إلی أکبر جرم فیه إذا تأملته وجدت أنه قد وضع لیحقق غایة معینة وهذا لا یمکن أن یکون ولید المصادفة بل لابد من أن یکون وراء ذلک موجد لهذا الکون أتقن صنعه وأحسن نظامه. وإنک لو نظرت إلی بناء هذا الکون العجیب وهندسته رأیت في تراکیب أجزائه بعضها مع بعض ترکیب أجزاء أجزائه وفي ترکیب ذراته الدقیقة التي لا یتجزأ رأیت الأجزاء الصغیرة فیه مندفعة إلی تحقیق غایات معینة بالتألیف مع الأجزاء الأخری.[فاطر:27-28]، [فاطر:12-13]، [الروم:17-26]، [السبأ:6-16]، [عبس:24-32]، [النحل:3-16]
الأولویات في مجال المنهیات
1- کفر الإلحاد والجحود فهؤلاء لا یعترفون بألوهیة ولا نبوة ولا رسالة ولا جزاء أخروي؛ یقولون: "إن هي إلا حیاتنا الدنیا وما نحن بمبعوثین". وعلیه قام الفکر الشیوعي فالدین عند هؤلاء خرافة والألوهیة أسطورة وهذا هو الضلال البعید.
2- کفر الشرک مثل شرک عرب الجاهلیة یؤمنون بوجود الإله وبخلقه السماوات والأرض والناس و... وعبدوا معه آلهة أخری في الأرض أو في السماء یؤمنون بتوحید الربوبیة وأشرکوا في توحید الألوهیة وفي هذا یقول القرآن الکریم:
وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ ﴿الزخرف:٩﴾ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّـهُ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ ﴿العنکبوت:٦١﴾
قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّـهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴿یونس:٣١﴾
مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّـهِ زُلْفَىٰ ﴿الزمر:٣﴾
وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّـهِ ﴿یونس:١٨﴾
ویمثل في شرک وثني العرب وشرک مجوسي الفرس القائلین بإله الخیر والنور وإله الشر والظلمة ووثني الهندوس والبوذیین والشرک مباءة للخرافات.
3- کفر أهل الکتاب من الیهود والنصاری من جهة تکذیبهم برسالة محمد الذي بعثه الله بالرسالة الخاصة وأنزل علیه الکتاب الخالد؛ علی أن الیهود والنصاری وإن اعتبروا کفارا بسبب تکذیبهم برسالة الإسلام و... فإن لهم وضعا خاصا بوصفهم أهل کتاب سماوي فهم یؤمنون في الجملة بالألوهیة وبالرسالات السماویة وبالجزاء في الآخرة وکانوا أقرب إلی المسلمین من غیرهم فأجاز القرآن الکریم مؤاکلتهم ومصاهرتهم:
وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ ﴿المائدة:٥﴾
4- کفر أهل الردة وهو أن یخرج المرء من الإسلام بعد أن هداه الله إلیه: فالکفر بعد الإسلام أشد من من الکفر الأصلي وهو ما لایزال عدو للإسلام: ...وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿البقرة:٢١٧﴾ والردة خیانة للإسلام ولأمته لما فیها من تبدیل الولاء والانتحاء والاتجاه من أمة إلی أمة فهو أشبه بالخیانة للوطن و... فلیست الردة إذن مجرد موقف عقلي یتغیر إنما هو تغییر للولاء والعضویة من جماعة إلی جماعة أخری مضادة أو معادیة لها:
يُحَارِبُونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ﴿المائدة:٣٣﴾
قال بن التیمیة: إن السعي في الأرض بالفساد وبنشر الکفر وإثارة الشبهات علی ملة الإسلام أشد من السعي في الفساد بأخذ الأموال وسفک الدماء وهذا صحیح فإن ضیاع هویة الأمة وتدمیر عقائدها أشد خطرا من ضیاع المال وتدمیر المنازل وقتل الأشخاص.
اقسام الردة:
• الخفیفة
• العلنیة
• الصامتة
• المجاهرة
الآراء