إن الحقيقة المؤلمة والتي لا يستطيع أن ينكرها منصف هو كثرة أمراض هذه الأمة حتى صارت كالكسيح الذي لا يستطيع حراكا ، ولا يستطيع أن يذب عن وجهه أذي ذبابة ، ليس كسيحا فقط ، وإنما كسيحا أعمي أصم ، لا يدرك ما يدور حوله من أحداث ، وربما هو حتى لا يشعر بدائه ومصابه ، تعددت الأمراض حتى اختلط علي المداوين كيفية البدء في العلاج أو تحديد أصل كل ما تمر به الأمة. صارت أمتنا مرتعا خصبا لجراثيم المحتلين ، وأذى المغتصبين ، وصارت مسرحا لعمليات مخابرات العالم تتلاعب فيها وبها علي مدار الساعة ، فها هي سوريا تنزف واليمن ومصر والعراق وليبيا وغيرها من بلاد العرب والمسلمين في كل أنحاء العالم قاطبة . أمة أصابها الوهن فصارت هينة علي نفسها فهانت بين الأمم ، اعتراها الجهل الذي نخر فيها كالسوس فأصبحت كعصا سليمان هشة في مهب ريح أضعف الحضارات تشرذمت وتمزقت دويلات هزيلة بفعل مستعمر فرض عليها هيمنته حتى بعد أن خرج منها صوريا وفرض عليها سلاطين متسلطين علي رؤوس العباد بالاستبداد والعجرفة فما الذي طرأ علي الأمة فجعلها تحيد عن مسار تاريخها الذي خلف حضارة من أعظم الحضارات الإنسانية؟

هل هو داء الوهن الذي حدثنا عنه رسول الله صلي الله عليه وسلم عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَتَدَاعَى الأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا ، قُلْنَا : مِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: لا ، أَنْتُم يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ ، يَنْزَعُ اللَّهُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ ، قِيلَ: وَمَا الْوَهَنُ؟ قَالَ: حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ"

هل تفتقد الأمة لتلك العقيدة المحركة والتي أعزتها قديما وقال عنها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام ، فإن ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله"؟ هل هي مؤامرة خارجية علي الأمة ورغبة عالمية في الإطاحة بالدين لصالح المشروع الصهيوني المغروس في قلب الأمة ليحيلها عالة علي الأمم ويميت فيها أي رغبة في الانتفاضة والتحرر الذي يضعها علي أول طريق النهوض وبعث روحها من جديد في تجديد دينها والعمل به ومن ثم ميلاد حضارة جديدة قد تبهر البشرية وتقدم لها ما تفتقده من إنسانية غابت عنها في حضارتها المادية العرجاء؟

وفي معرض البحث عن أسباب تلك الأدواء التي تعانيها أمتنا جميعا وجدت أنها لا تخرج أسباب ثلاث:

أولا: الاستبداد يقول الله تبارك وتعالي عن فرعون علي لسان موسي "وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ" [يونس: 88،8].

فالاستبداد أصل داء الأمم ، به تخور العزيمة ، وتسفل الغاية ، وتتفكك الروابط الاجتماعية ، وتهون الذات ، وتضعف الهمم ، وينكفئ المستبد به علي ذاته غير عابئ بغيره ، تفسد الأخلاق وتخرب الذمم ، يتعدد البلاء علي الناس ، وتكثر الفتن والمشاحنات وتضيع الهوية ، وتضيع حقوق الناس في متاهات الاكتفاء بالبحث عن لقمة عيش مغموسة بالذل تنشغل بها الشعوب ، الاستبداد يجعل الأمة مهزومة بلا أمل في مستقبل ولا عبرة من تاريخ وقد انشغل المصلحون علي مدي التاريخ بقضية الاستبداد التي توقف نمو البشرية ، بل ترجعها إلي الوراء ، انشغلوا بآثار الاستبداد علي الفرح وعلي المجتمع وكيفية خلاص الأمم من المستبدين بها ووضعوا لذلك قواعد ، منهم الكواكبي الذي وضع قواعد عامة للخلاص من المستبد يقول فيها:

1- الأمَّة التي لا يشعر كلُّها أو أكثرها بآلام الاستبداد لا تستحقُّ الحريّة.

2- الاستبداد لا يقاوَم بالشِّدة إنما يُقاوم باللين والتدرُّج.

3- يجب قبل مقاومة الاستبداد، تهيئة ما يُستَبدَل به الاستبداد.

ثانيا: تعطيل العقيدة والتهاون في الدين والعقيدة لم تغب شمسها عن سماء أمتنا ، فالمساجد تقام فيها الصلوات علي مدار الساعة ، والحج كل عام يؤديه ملايين المسلمين ، وراية التوحيد لم تسقط من قلوب المسلمين ، إنما الخلل الذي أراه هو عدم تفعيل تلك العقيدة ، فالصلاة لم تنهي صاحبها عن الفحشاء والمنكر ، والحج لم يرسخ عقيدة الاستسلام لله في كل مناحي الحياة ، والصوم لم يمنع من التناحر والتشاحن ، وعقيدة التوحيد المنطوقة بملايين الألسنة كل يوم لم تحرك الأمة المغتصبة للانتفاضة واستعادة الحقوق المسلوبة من حكامها وأعدائها ما ينقص الأمة هو فقه العبادات وفقه العقيدة وتفعيل كل ذلك لتنشط وتستعيد وعيها وحركتها ودورها المنوط بها.

ثالثا: العوامل الخارجية والمؤامرات التي أحاطت بالأمة ولم تخلو فترة من فترات تاريخ الأمة من المؤامرات التي تحاك لها خارجيا ، ولا ينكر ذلك إلا صاحب مصلحة مع عدوها ، أو جاهل بتاريخها يقول الله تبارك تعالي في سورة آل عمران الآية 69 "ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون".

ولم تتوقف تلك المؤامرات حتى وقتنا هذا رغم حالة الهوان والضعف التي تمر بها الأمة وذلك لعلمهم كيف يكون حالها إذا نفضت عنها غفوتها ، وإذا صارت لحالة الحضور المطلوب لتستحق الشهادة علي الغير بعدما تشهد بحق علي ذاتها إن اتفاقية سايكس بيكو ببنودها التقسيمية لبلاد المسلمين لضمان استمرار ضعفها وتبعيتها ما زال معمولا بها حتى الآن دون أن ندري ، وما زال مسلسل التقسيم للقطر الواحد مستمرا لفرض مزيد من الهيمنة ، وخلق الصراعات في المنطقة ، حتى تحولت الصراعات العالمية تدور علي أرض العرب وبأيديهم واليوم لو أمعنا النظر فيما يحدث في سيناء مصر والعراق واليمن والسودان ، فتن طائفية بين المسلمين وغيرهم ، ثم بين المسلمين أنفسهم لفهمنا خط التآمر والمراد بما يثار من قلاقل معظمها مفتعل وبعضها مصنوع بإتقان في روسيا أو أمريكا أو حتى في أروقة قصور بعض الحكام المنقلبين علي إرادة شعوبهم ختاما أري أن داء أمتنا يظهر جليا في حالة غياب الوعي التي نمر بها ، ذاتيا وخارجيا ، ولن يكون هناك خروج إلا بنشر الوعي وفكرة الخلاص بين جموع الشعوب المسلمة ، يجب أن تتضافر الجهود بين أهل الفكر والقائمين علي الحركة الإسلامية للوصول لأفضل السبل لكيفية الخلاص ، فالحركة الإسلامية تفتقد للفكر والتخطيط الجيد ، والمفكرين المسلمين يفتقدون لمن يحمل فكرهم ويتحرك به ، وبغير ذلك لن يكون هناك خلاص قريبا ، لكني أوقن أن المستقبل للإسلام بعز عزيز أو بذل ذليل ، السؤال هو دوري ودورك في تلك المهمة وأين نحن منها؟