يستهل مؤلف الكتاب محاور بحث، بالإشارة إلى أن الإسلام لعب دوراً مزدوجاً في الآلية التي تعامل بها العرب والمسلمون مع الحداثة. فهو قام بدور العائق دون تبني قيم الحداثة من جهة، ودور المتحمس للأخذ من الغرب بغية مواجهة تحدياته من جهة ثانية. وأما مقاومة الإسلام لحداثة الغرب فتعود إلى أن التغيير الذي يمكن أن يطرأ على بنية المجتمعات الإسلامية، يبدو وكأنه « تنكر للإسلام». وقد أدت مقاومة الإسلام للحداثة إلى تطوير الإسلام لآلياته ووسائله التقليدية.

وهذا التطور شمل الفقه وعلم الكلام وقضية الحوار بين الحضارات. كما وجد المفكرون الإسلاميون نفسهم مضطرين لمناقشة قضايا تتعلق بحقوق الإنسان وتحرير المرأة وفصل السلطات، ونظرية الحكم الغربية، عبر مقارنتها بنظرية الحكم الإسلامية. ويتوقف الكاتب مطولاً عند محاولة الفلاسفة والفقهاء المسلمين، تطوير علم الكلام، من أجل رفع قدرته على مواكبة الفكر الحداثي الجديد. ومن هذه المحاولات، محاولة الفيلسوف الهندي محمد إقبال الذي قام بصياغة جديدة لعلم الكلام، تواكب وتلائم الفلسفة الحديثة، ولكنها في الوقت نفسه محاولة تقف من الفكر الحداثي موقف النقد والتمحيص.

وأما المحاولة الأخرى لتجديد علم الكلام، فكانت محاولة محمد عبده في القرن التاسع عشر، فقد تصدى عبده لمذاهب الملحدين والدهريين وكل العقائد التي لا تتوافق مع عقيدة الإسلام في التوحيد. كما رفض كل المذاهب التطورية والطبيعية والشيوعية،لأنها تؤدي إلى انحطاط الإنسان وتتعامل معه بطرق حيوانية. ومع ذلك فإن تأثر محمد عبده بالحداثة الغربية واضح، فهو يؤكد أن الإسلام أطلق سلطان العقل، وأنه لا تعارض البتة بين ما يقره العقل والعلم وما أتى به الدين.

ويقف مؤلف الكتاب في وجه التفسير العلمي ويعده هو المسؤول عن التفسيرات اللامنطقية واللاعلمية، التي تنسب إلى القرآن قدرات ومعارف خارقة ليست موجودة فيه. بحيث لم نعد نستطع التمييز بين الاكتشاف العلمي والإدعاء الباطل، وبين ما يقوله العلم وما يقوله المشعوذون. وما يقال عن علم الكلام والتفسير يقال عن الفقه أيضاً، فأثر الحداثة وما تحمله من قيم العقلانية واحترام للإنسانية والابتعاد عن عقوبات قطع الرقاب والأيدي واحترام حقوق المرأة، بدا بوضوح تام في نقاشات الفقهاء في القرن التاسع عشر.

وقد استقر الرأي عند كثير من الفقهاء، إلى أن التركيز على العقوبات القاسية وتطبيق حدود الشرع بشكل حاد، أمر قد يؤدي إلى نفور الناس من الإسلام، ووقوعه في يد أقلية متحجرة ومتعصبة للدين بشكل مغلق. وأما فيما يتعلق بأثر قيم الحداثة الغربية على مشكلة الحكم في الإسلام، فإن اطلاع المفكرين الإسلاميين على أنظمة الحكم الغربية، وما تتصف به من أساليب ديمقراطية وفصل للسلطات والمصدر الشعبي للحكم، أدى إلى انقسامهم إلى تيارين رئيسين : الأول « تيار سلفي» يعتبر أن الحاكمية لله، وأن على الحاكم أن يقيم دولة الشريعة الإسلامية.

أما التيار الثاني، فهو« التيار التحديثي » فطالب بفصل الدين عن الدولة، وأن الخلافة ليست نظاماً أقره الإسلام بل أوجده السياسيون لتوطيد حكمهم المطلق. لينتهي أنصار هذا التيار إلى أن الدين الإسلامي دين ديمقراطي النزعة لا يعترف بالفوارق المفتعلة بين البشر. وينتهي المؤلف إلى أن الحضارة الحديثة ليست في كل تجلياتها الإيجابية والسلبية قدراً محتوماً، إنها نتاج بشر مثلنا، وبالتالي هناك ما نأخذه منها وما نتركه، ولكن الأهم من هذا وذاك أن هناك ما يمكن أن نضيفه عليها.

 

المؤلف في سطور

عبد المجيد الشرفي ، مفكر تونسي مهتم بالفكر الإسلامي ، من أهم مؤلفاته : مقامع الصلبان 1975 ، الفكر الإسلامي في الرد على النصاري 1986 ، تحديث الفكر الإسلامي 2009 ، لبنات 1994 ، ظواهر حضارية في تونس القرن العشرين 1996 ، المسلم في التاريخ 1998 ، الإسلام بين الرسالة والتاريخ 2001 ، في الشأن الديني 2005 . وله مساهمات فكرية وبحثية في عدد من الدوريات المتخصصة والمؤتمرات العلمية .

تحميل الكتاب: الإسلام والحداثة