يتسائل البعض يا ترى ما هو دور الأكراد في نشر الحضارة الإسلامية؟

في هذه المقالة سوف أتطرق إلى الأمور التالية بإذن الله:

-- أصول الأكراد.

-- تسمية الكرد.

-- تاريخ الأكراد قبل الإسلام وبعده.

-- أدوارهم الريادية في المجال الدينی والثقافی والعسكریّ.

-- ذكر بعض مشاهير الكرد الذين ساهموا بدورهم فی نشر الإسلام وحماية أراضيه والوعي الثقافي والديني.

ألاكراد مصطلح يستخدم للتعبير عن الشعب الكردي 

أغلب الباحثين الأروبیين والشرقيين  متفقون على أن الأكراد ينتمون إلى «الميدية» التي  هاجرت في مطلع ألف الثانية أي 2000 سنة قبل الميلاد وذلك بسبب الجفاف والبرد القاسي الذيْنِ حلا بهم مما اضطروا ان ینتقلوا إلى مكان آمن لإنقاذ حياتهم  واستطاعوا أن يسيطروا على السكان الأقدمين في كردستان ونجحوا في تكوين تركيبة سكانية جديدة باسم الكرد.

 الموقع الجغرافي:

تقع كردستان في غرب آسيا  أو في شرق هضبة آناضول . كلمة كردستان يعني أرض الكرد  و تغطي كردستان حاليا أجزاء واسعة فی کلّ من شمالي العراق و شمالي غرب ايران  و جنوب شرق تركيا  وشمالي شرق سوريا.

الأكراد قبل الإسلام:

لاشك قبل أن يعتنق الأكراد الإسلامَ كانوا على ديانة ملة فرس الزرتشتية  حيث يعتبرونه نبياً بعثه الله إلى الأمة الفارسية؛  و سبب اعتناق الأكراد الديانةَ الفارسية کانت الحروب التي خاضها  الفرس ضد الأكراد و سيطرتهم عليهم مما أدت إلى اعتناقهم هذه  الديانة «عبادة النار» .إلى أن جاء الإسلام  وبدأت الدعوة الإسلامية تظهر رويدا رويدا  حتى دخل الأكراد في دين الله أفواجا. منذ 1400 سنة و نيف  أصبحتْ الأكراد جزءً لا يتجزأ من كيان الدولة الإسلامية .

في بداية الدعوة الإسلامية خاطب الله جل جلاله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم يؤكد له عالمية هذا الدين وأنّه لم يبعث إلى فئة خاصة من الفئات وإنما بعث إلى الناس جمعیا. کما قال تعالي :( وما أرسلناك إلّا كافةً للناس)   

يقول الأستاذ عماد الدين خليل « لقد فتح الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وصحابته الكرام ( رضي الله عنهم ) صدورهم لكل المنتمين للدين الجديد، وتبوأ رجال من أمثال صهيب الرومي وسلمان الفارسي وبلال الحبشي وجابان الكردي وغيرهم من غير العرب مواقع متقدمة في حركة الدعوة الإسلامية ، ولقوا كل ترحيب وتكريم»

«وهكذا وجد الكرد أنفسهم ، وصنعوا تاريخهم ، في ظلال العصر الإسلامي ، وشارکوا مشاركة فاعلة في مصائر الأمة الإسلامية في السلم والحرب ... في الحضارة والسياسة معاً».

فلنرجع إلی بداية الصحوة الإسلامية. كثير منا لم يسمع عن الصحابي الجليل (جابان الكردي ) رضي الله عنه؛ ذلك الأسد الذي لما سمع نداء محمد صلى الله عليه وسلم يدعو الخلق إلی كل ما هو خير وترك كل ما هو شر؛ فلبّى ندائه عليه الصلاة والسلام وقرر السفر من بلاد  كردستان إلى شبه الجزيرة العربية ليلتقي  به صلى الله عليه وسلم وأن يدخل في الإسلام ويلتحق بإ خوانه الصحابة. هذا فضل من الله جل وعلا  للكرد أن جعله من زمرة الأمم التي لها سفير عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. 

يقول الأستاذ عماد الدين خليل :
«رحلة (جابان) ( رضي الله عنه ) تذكرنا برحلة سلمان الفارسي (رضي الله عنه) بحثاً عن الحق...اجتاز الطريق الطويل للقاء بالرسول القائد (صلى الله عليه وسلم) ومبايعته على الإسلام، فيما يؤكد ـ مرة أخرى ـ أن هذا الدين ما جاء للعرب وحدهم وأقوامهم ، وإنما للناس كافة على اختلاف أجناسهم.  
بعدها قدمت مجموعة من التجار الكرد إلى المدينة المنورة لكي تعلن إسلامها بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، فتكون هذه الثلة المباركة، مع الداعية الأول ( جابان ) نواة الوجود الإسلامي في كردستان ، والنبتة التي سيقدر لها أن تنمو وتزدهر وتمتد جذورها في الأرض الطيبة .

ولاننس دور جابان الكردي رضي الله عنه بعد ما أسلم ورجع إلى دياره و بدأ بدعوة الأكراد لتعریفهم بهذا الدين المبين.

 من ثمرة دعوته هو إسلام دَيلم الكردي ذلك الرجل البطل  الذي  كان رئيسا للحرس الكسروي.  ما لبث أن اعتنق الاسلام  وقرر التمرد علي كسرى والتحاقَه بإخوانه العرب  لنصرتهم في معركة القادسية. يمكن القول بأن الأكراد هم القوم الذین  اعتنقوا الإسلام بدون أيّ مقاومة أو تمرد ، بل رحّبوا به بكل سرور وحفاوة لأنَّ الإسلام  أنقذهم من وطأة الظلم والطغيان  وبطش الملوك الساسانیين.

حقا إن للأكراد تاريخا مشرقا لنشر الحضارة الإ سلامية لا يمكن تجاهله و لولا وجود رجال الأشاوس الأكراد وعلمائهم وقادتهم ومثقفيهم  لما وصل الإسلام إلی ما وصل إليه من رفعة مكانة وشأن عظيم بين الأمم قديما وحديثا ( نقلا عن عماد الدين الخليل).

لقد خرج من بين الأكراد جيل من الأسود الأبطال والعلماء الأفذاذ  الذين ساهموا بدورهم  لبسط نفوذ  الإسلام  في مناطق مختلفة من أقطار الأرض. ها هو القائد صلاح الدين الأيوبي  الذي كان قائدا بارزا وقف في وجه الصليبية التي  هاجمت الأراضي الإسلامية في بلاد الشام  للسيطرة عليها علي وجه العموم وبيت المقدس على وجه الخصوص....ذلك القائد الفذ الذي استطاع بحنكته ودرايته أن  يفشل المخططات الصليبیة المشؤومة الاستعمارية ووقف فی وجههم حتی استطاع أن يطردهم خاسرين مهزومين من البلاد الإسلامية كالشام وغيرها.

  نعم هذا هو الدور المشرق للأكراد للدفاع عن المقدسات الإسلامية كقبلة الأولى للمسلمين ( بيت المقدس ) و لا ننس جهوده المخلصة لحماية وحدة الأراضي الإسلامية. إنه كان سيفا مسلولا لمواجهة الدولة الفاطمية الباطنية التي أرادت أن تفرق وحدة الأمة. يقول الكاتب والباحث الإسلامي الأستاذ محمد واني: «واستطاع هذا القائد أن يؤخر الدورة الاستعمارية"الغربية" عن العالم الإسلامي لمدة تزيد عن سبعمائة سنة. كان من المفروض بحسب التوقعات العسكرية والتحاليل الاستراتيجية أن يتم احتلال البلدان الإسلامية من قبل القوات الأروبية» لولاه لاندثر الإسلام في المنطقة  لكن بفضل الله ثم بفضل حنكته استطاع أن يكون له تأثير قوي في تأخير الاستعمار الصليبي  في البلدان الإسلامية.

لا شك أنه لم يكن دور الأكراد  من الناحية العسكرية فحسب  بل ساهموا  في نشر  الوعي الديني والثقافي والاجتماعي كالإمام ابن تيمية و ابن صلاح الشهرزوري وابن خلكان وغيرهم كثيرون.

خلاصة القول يمكن تصنيف رجالات الأكراد الذين كان لهم دور بارز  في نشر الحضارة الإسلامية  إلى ثلاثة أصناف:

الصنف الأول:القادة العسكريون وحماة الديار الإسلامية:

أسد الدين شيركوه عم صلاح الدين الأيوبي كان من أبرز القيادات العسكرية في جيش عماد الدين الزنكي الذي استطاع أن يقف في وجه الصليبية وأن يعيد مصر إلى أحضان الأمة الإسلامية. 

أبو المظفر الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي من أشهر ملوك الإسلام( 1338 -1193). اتفق أهل التأريخ على أن أباه وأهله من دوين) وهي بلدة في آخر أذربيجان وأنهم أكراد روادية).

الصنف الثاني:علماء الكرد وحماة العقيدة الإسلامية:

ابن صلاح الإمام الحافظ العلامة شيخ الإسلام تقي الدين أبو عمرو عثمان بن المفتي صلاح الدين عبد الرحمن بن عثمان بن موسى الكردي الشهرزوري الموصلي الشافعي ، صاحب " علوم الحديث " . الملقب بابن الصلاح الشهرزوري.

شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن عبد الحليم المعروف بابن تيمية الحراني الكردي الأصل سنة 661 هـ (1262م) بعد خمس سنوات من سقوط الخلافة العباسية سنة 656 هـ (1258م) على أيدي التتار.

الدينوري:

هو أبو حنيفة أحمد بن داود بن وَنَنْد الدينوري، ولد في العقد الأول من القرن الثالث الهجري بمدينة دينَوَر، وإليها يُنسَب أجداده الأقربون، والحقيقة أن المصادر الإسلامية لم تذكر نسبته إلى الكرد، وإنما نسبته إلى دِينَوَر Dinewer ، هذا هو اسمها المشهور، ويقال لها: (دَيْنَوَر) أيضاً، وتسميها المصادر السريانية (ديِنهور)، وهي من أهم مدن إقليم الجبال في كردستان الشرقية (غربي إيران)، تقع غربي هَمَذان، وشمالي كرمَنشاه. و من آثاره كتاب « البيان»، « الشعر والشعراء» و«رسالة في الطب».

ذكر ابن تَغْري بَرْدي في كتابه (النجوم الزاهرة، 6/360) اسم ابن الحاجب فقال: 

" عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس الشيخ الإمام العالم العلاّمة جمال الدين أبو عمرو المعروف بابن الحاجب الكردي المالكي النحوي الأصولي، صاحب التصانيف في النحو وغيره، مولده في سنة سبعين وخمسمأة ب«إسنا »من بلاد الصعيد. من آثاره في النحو: 1- الكافية 2- الإيضاح في شرح المفصل 3- أمالي ابن الحاجب 4- شرح كتاب سيبويه.

 الإمام بديع الزمان الجزري و ابن الأثير.

ابن خلكان:

هو أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلّكان بن باوَك بن عبد الله بن ساكل بن الحسين بن مالك بن جعفر بن يحيى بن خالد بن بَرْمَك، ينتسب إلى أسرة البرامكة المشهورة، وقد ترجم شرف الدين ابن المستوفي صاحب (تاريخ أربیل) لابن عم ابن خلّكان، فنسبه إلى البرامكة أيضاً، وهذا يعني أن هذا النسب كان معروفاً لهم في أربیل وقراها. وصرّح ابن خلّكان لابنه موسى أن قبيلته التي ينتسب إليها هي من الكرد، واسمها (زرْزاري= ولد الذئب). له مؤلفات عديدة أشهرها «وَفَيات الأعيـان وأنباء أبناء الزمـان».

الصنف الثالث :أدباء الكرد وحماة الأدب  العربي:

أمير الشعراء أحمد شوقي (1868-1932)

 أمير الشعراء أحمد شوقي علي أحمد شوقي بك، ولد بالقاهرة سنة 1868م لأب كردي وأم من أصول يونانية  و يُعَدُّ من أفضل شعراء العرب في العصر الحديث. من آثاره 1- الشوقيات 2- عنترة 3- مجنون ليلي وغيرها........

معروف الرصافي شاعر الحرية والانسانية (1875-1945)

ولد معروف بن عبد الغني و اشتهر بلقب «الرُّصافي»سنة (1875 م) في حي من أحياء بغداد، يدعى حيّ «القراغول»، وهو ينتمي من جهة أبيه إلى عشيرة «جبارة»، وهي عشيرة كردية تدعى بالكردية «جباري»، لكن يذكر أدهم آل جندي في كتابه (أعلام الأدب والفن، الجزء الثاني)أن الرصافي من العشيرة الكردية «بَرزنْج»، والأرجح أنه من عشيرة جباري. وجاء في كتاب «العشائر الكردية» أن عشيرة جباري تسكن لواء «محافظة» كركوك، وهي تمتهن الزراعة، وقد وقفت إلى جانب الشيخ محمود الحَفيد خلال ثورته ضد الإنكليز سنة (1919) في كردستان العراق. 

ملاحظة هامة : يقول الله تبارك وتعالى في محكم تنزيله:‏

«يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» (الحجرات/13) ‏  

ويقول الرسول صلي الله عليه وسلم: «إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ ، وَأَبَاكُمْ وَاحِدٌ ، وَنَبِيَّكُمْ وَاحِدٌ ، لا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عْجَمِيٍّ ، وَلا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ ، وَلا لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ ، وَلا لأَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلا بِالتَّقْوَى»

انطلاقا من هذه الآية الكريمة  و الحديث الشريف ، يعلم الله  أني ما كتبت هذه المقالة لكي أفتخر بقوميتي وأفضل نفسي وقومي على الآخرين؛ کلاّ و إنما قصدت منها أن لله فضلاً على الأكراد أن يكونوا في خدمة هذا الدين المبارك ولكي لا نجهل دورهم البارز في الساحة الإسلامية.

  نحن نقول كما قال  أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه : «نحن قوم أعزنا الله بالإسلام  فإن ابتغينا العزة  بغيره أذلنا الله » وحقا الأكراد قوم أعزهم الله و أكرمهم بالإسلام فإن ابتغوا  العزة بغيره أذلهم الله. والله علی ما أقول شهيد.

المراجع والمصادر:

    1. مشاهير الكورد في التاريخ الإسلامي د. أحمد خليل
    2. وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، ابن خلكان
    3. مشاهير الكرد وكردستان، محمد أمين زكي
    4. الجزيرة نت 
    5. اسلام ويب- المكتبة الإسلامية 
    6. الكاتب والباحث الإسلامي أ .د .عماد الدين خليل 
    7. الكاتب والباحث ،محمد واني.