کانت أمم الأرض عربها وعجمها قبل الإسلام في انحراف سلوكي وعقدي ما عدا بعض فئات من أهل الكتاب وبعض العرب الباقين على دين الحنيفية، وأحدث الناس خلال هذه الفترة أمورا تبعا لما توارثوه جيلا عن جيل حين ضاع في أوساطهم علم النبوة والكتاب، كانت أهل الكتاب يتبعون أحبارهم ورهبانهم، ويتخذونهم أربابا من دون الله، يحلون لهم أشياء ويحرمون عليهم أشياء على الهوى والمزاج، دون علم منهم ولا سلطان أتاهم! وكان المشركون يعكفون على عبادة الأصنام بزعم أنها تكون لهم زلفى وواسطة إلى الله، ثم بحجة أنها ملة آبائهم، تقليدا منهم وتخليدا لذكرى آلهتهم، وهذا كان حال الناس حين فترة الرسل، حتى بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم، لإخراج الناس من ظلمات الجهل، والضلال، والتقليد، إلى نور الإسلام.
وعاش الناس هذه الفترة في أمية وفوضى وتقليد مستحكم للأحبار والآباء، وأطلق عليها عصر الجاهلية أو العصر الجاهلي، ولفظة الجاهلية اسم نسب من الجهل، والجهل عكس الدراية والعلم، ويطلق في الغالب لوصف حالة قبل الإسلام، ويستخدم أحيانا لوصف من شابهت حاله عادة الجاهلية، كما ورد في عدد من النصوص نحو قوله تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) /المائدة/، وقوله: (وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) /الأحزاب/، وفي الحديث الشريف: (إنك امرؤ فيك جاهلية)، كل هذه النصوص تشدد النكير على عادة أو سنة الجاهلية.
ويمكن تعريف الجاهلية بأنها سنة أو عادة تُميِّز حال الناس قبل الإسلام، يتبعونها دون علم راسخ أو معرفة حقيقية، وكان مبناها الهوى والتشهي، والتقليد، لذلك وصفت هذه الحالة بالشر لما جاء نور الوحي والعلم، والبصيرة، وذم الإسلام كل ما ينتسب إلى الجاهلية، وإن أطلقت الجاهلية على فترة زمنية قبل الإسلام، إلا أنها وصف نسبي ينطبق على كل ما يماثل حالة الجاهلية، جاء في الظلال: الجاهلية ليست فترة تاريخية إنما هي حاله توجد كلما وجدت مقوماتها في وضع أو نظام.. وهي في صميمها الرجوع بالحكم والتشريع إلى أهواء البشر، لا إلى منهج الله وشريعته للحياة.
ويستوي أن تكون هذه الأهواء أهواء فرد، أو أهواء طبقة، أو أهواء أمة، أو أهواء جيل كامل من الناس. ويمكن تعريف الجاهلية بأنها سنة أو عادة تُميِّز حال الناس قبل الإسلام، يتبعونها بدون علم راسخ أو معرفة حقيقية، وكان مبناها الهوى والتشهي، والتقليد وبعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم واستقرار الوحي، جاءت نصوص متعددة ومتنوعة في الشريعة الإسلامية الغراء، بعضها عامة في لفظها ومدلولها، تحرم الجاهلية واتباع عاداتها والاحتكام إلى سننها، وأخرى تحرم أحوالا معينة، ومن النصوص العامة قوله تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)، وهو خطاب موجه إلى أهل الكتاب في المدينة حين ردوا قبول حكم النبي صلى الله عليه وسلم في الرجم، وهو بعموم لفظه خطاب للمسلمين من باب أولى، وذكرت قضية اليهود لإفادة المسلمين وتحذيرهم من أخذ مسالك اليهود.
ومن هذه النصوص العامة قوله صلى الله عليه وسلم: “أبغض الناس إلى الله مبتغ في الإسلام سنة الجاهلية، وطالب دم امرئ بغير حق ليهريق دمه” وبهذا الحديث يعد اتباع سنن الجاهلية في الإسلام محظورا في الشرع، وذلك لمنافاته لما جاء به الهدي الإلهي، ولمعارضته للطبيعة البشرية وذلك أن سنن الجاهلية غالبا ما تناقض الفطرة والميول البشري، والإسلام بتعاليمه أتى ليحقق للإنسان قيمته في هذا الكون، وتخليصه من الهمجية والفوضى، ومن الخضوع لقوة المخلوقات حوله. من جانب آخر تأتي نصوص أخرى تخصص عددا من الأعمال التي اعتادها الناس في الجاهلية قبل الإسلام، مما تنافي طبيعة البشر، ومحاسن الأخلاق، فيمنع منها الشارع بوضوح، من ذلك: وأد البنات، التبرج والسفور، والتفاخر بالأنساب والأحساب، والتنابز بالألقاب، وغير ذلك مما يكثر تعداده. وعلى الرغم من تقدم العلم، وسهولة التواصل بين عواصم ومدن العالم، وتوسع العلاقات بين الشعوب على مختلف اللغات والجنسيات، انتشر الإسلام في هذه البلدان، وأصبح دينا عالميا، يقر بتعاليمه الأعاجم والعرب، لكن للأسف نجد هذه الأحوال الجاهلية تنبعث من جديد بين أبناء المسلمين، نشاهد التعصب المقيت بين الشباب المسلم تبعا للانتماءات الحزبية السياسية أو المذهبية وغيرها، حتى يصل إلى التشاتم والتقاتل، الشعب المصري مثلا يعيب على الشعب الخليجي ربما لاختلافهم في الرؤى والتفكير.
ويظهر تقرير أن عصابات الدولة الإسلامية بالعراق والشام المسماة بـ(داعش) تقدم على قتل الإناث من الأطفال في الموصل، منطقة في العراق، وتزعم أن هذا القتل يحفظ على الأمة شرفها، فإنه يأمن دخول هذه البنات في جهاد النكاح فيصبحن عارا عليهم، وهذا بطبيعة الحال يعيد سنن الجاهلية في القرن الواحد والعشرين .
سنن الجاهلية غالبا ما تناقض الفطرة والميول البشري، والإسلام بتعاليمه أتى ليحقق للإنسان قيمته في هذا الكون، وتخليصه من الهمجية والفوضى ونرى بعض المحسوبين على الإسلام يجعلون النياحة واللطم وشق الجيوب حزنا على فقيدهم أعيادا، يبنون عليها دينهم، ويربون عليها الأطفال والشباب، ويرون ذلك طريقا مثلى للتقرب إلى الله تعالى، وهذه الظاهرة عمت بلواها على الأمة الإسلامية، عاشوراء مثلا عند الشيعة، والخمسينيات أو الأربعينيات عند بعض السنة، وهذه الأحوال من سنن الجاهلية التي جاءت النصوص الشرعية لتنهى عنها.
وهذه العادات التي توصف بالجاهلية وإن كثرت في الأمة الإسلامية، ولها أثر عميق في المجتمع الإسلامي، فهل يقال إن المجتمعات الإسلامية في القرن الحالي مجتمع جاهلي كما يراه بعض المفكرين، بل يؤكد بعضهم أن جاهلية هذا العصر أشد من الجاهلية الأولى؟ ولعل الصحيح من القول أن هذا العصر وإن وجدت فيها بعض العادات الجاهلية فإنه لا يقارن بنوع الجاهلية الأولى، لأن الإسلام وحده يحصن المجتمع الإسلامي من العصر الجاهلي، والمجتمع الإنساني قبل الإسلام يعبد ما تملي عليهم الهوى والأحبار، وهذه جاهلية مطلقة،
وما ظهر اليوم من بعض الملامح الجاهلية هي أوصاف مشابهة فقط، فلا ينسحب عليه الحكم الكلي، وكان المنهج النبوي أن تواجه كل حالة بما يناسبها، أنَّب رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابي الذي عير أخاه المسلم بأمه، فقال : “إنك امرؤ فيك جاهلية”، وحين تنازع المهاجرون مع الأنصار في بني المصطلق عنف عليه السلام عليهم القول فقال: “أدعوى جاهلية ..دعوها فإنها منتنة” .. وكذلك يجب أن نواجه كل حيثية من سنن الجاهلية بما يناسبها من التأنيب والرفض والتوجيه.
الآراء